علي حيدرقرر رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو ووزير الدفاع إيهود باراك تعيين طاقم للتدقيق بتحقيقات أجراها الجيش الإسرائيلي في أحداث الحرب على غزة، بدلاً من تأليف لجنة تحقيق في اتهامات لإسرائيل بارتكاب جرائم حرب. وعقد نتنياهو وباراك اجتماعاً خاصاً، مساء أمس، جرى خلاله التداول في طلب وزراء ومسؤولين إسرائيليين تأليف لجنة تحقيق في اتهامات تضمّنها تقرير غولدستون. وتقرر خلال المداولات تعيين طاقم للتدقيق بخمسة تحقيقات أجراها الجيش الإسرائيلي بشأن مجرى الأحداث خلال الحرب على غزة، وستكون مهمة الطاقم التأكد من أن هذه التحقيقات كانت عميقة وجدية.
ويأتي القرار بعدما شهدت الساحة السياسية في إسرائيل حالة من التخبط بعد إشارة وجّهها نتنياهو، خلال مقابلة مع صحيفة «واشنطن بوست»، حول إمكان تأليف لجنة تحقيق إسرائيلية في هذا المجال، رغم أن جوابه اقتصر على الحديث عن أن «إسرائيل تدرس إجراء فحص ذاتي لحملة الرصاص المصهور». لكنه تابع بأن هذا الأمر غير مدفوع بتوصيات لجنة غولدستون بل لـ«احتياجات داخلية». وأضاف نتنياهو أن «الطريق الأفضل لتجاوز الأمر هو قول الحقيقة»، واصفاً العدوان على قطاع غزة بأنه «حرب دفاعية دافعت فيها إسرائيل عن نفسها بوسائل مشروعة في مواجهة هجوم غير مشروع». ودعا إلى تغيير قوانين الحرب الدولية لتتناسب مع «الحرب على الإرهاب». وتساءل عما ينبغي لإسرائيل أن تفعله في مواجهة «الإرهابيين الذين يعتقدون أن لديهم رخصة للقتل، ويختارون العمل من داخل التجمعات السكنية مرة تلو الأخرى». وأدى موقف نتنياهو المقتضب بشأن إمكان تأليف لجنة تحقيق إسرائيلية، إلى ردود فعل صاخبة من قبل قيادة الجيش وإيهود باراك، الذي أصدر مكتبه بياناً شدد فيه على أن وزير الدفاع «يعارض بشدة تأليف لجنة للتحقيق مع ضباط وجنود الجيش» بخصوص العدوان الإسرائيلي على غزة. وقال إنه «لا يوجد جيش في العالم يحقق مع نفسه بهذا الشكل»، مشيراً بذلك إلى خمسة تحقيقات أجراها الجيش الإسرائيلي بعد العدوان المذكور.
كذلك ذكرت صحيفة «يديعوت أحرونوت» أن مكتب باراك حذّر مكتب رئيس الحكومة من «التبعات البعيدة المدى لتأليف لجنة تحقيق ومن ردود فعل رئيس هيئة الأركان، غابي أشكنازي، الذي يرى في إقامة لجنة تحقيق تخلياً عن الجيش، الأمر الذي قد يقوده إلى استخلاص استنتاجات شخصية» في إشارة إلى التلويح باستقالته.
باراك يحذّر من لجنة التحقيق ويلوّح بإمكان استقالة أشكينازي
وعلى أثر هذه المعارضة الشديدة لتأليف لجنة تحقيق إسرائيلية، أصدر مكتب رئيس الحكومة بياناً أوضح فيه أنه «لم يقصد أن ثمة حاجة لتأليف لجنة تحقيق مستقلة من أجل التحقيق في الاتهامات التي تضمّنها تقرير غولدستون»، فضلاً عن أن رئيس الوزراء أوضح أن إسرائيل «تحقق في أحداث من النوع الذي وقع خلال عملية الرصاص المصهور على نحو روتيني ووفقاً لأنظمة داخلية موجودة من دون علاقة مع تقرير غولدستون».
ورغم ذلك، لفتت صحيفة «هآرتس» إلى أن مصادر في مكتب رئيس الوزراء لم تنف حقيقة أن الموضوع قيد البحث في ضوء مطالبة وزراء وموظفين رفيعي المستوى، مثل المستشار القانوني للحكومة مناحيم مزوز. وأكدت أن «الموضوع موجود على الطاولة، ورئيس الوزراء يستمع إلى الآراء المختلفة، لكنه لا يميل إلى أي اتجاه بعد».
وفي السياق، ذكرت تقارير صحافية أن وزير الخارجية أفيغدور ليبرمان عبّر عن تأييده لتأليف لجنة كهذه، ملتقياً بذلك مع موقف وزير شؤون الاستخبارات دان مريدور.
ودعا نائب رئيس الحكومة، وزير الداخلية إيلي يشاي، إلى كشف محاضر المجلس الوزاري المصغّر خلال الحرب على غزة للكشف للعالم بأن الحكومة والجيش الإسرائيليين «بذلا كل ما في وسعهما للامتناع عن المسّ بالمدنيين الفلسطينيين الأبرياء». لكن الوزير مخائيل إيتان، عن حزب «الليكود»، رأى أن «من الأفضل أن تؤلف إسرائيل لجنة تحقيق بدلاً من جرّنا إلى المحاكم الدولية». والتقى معه بذلك وزير الرفاه عن حزب «العمل»، يتسحاق هرتسوغ، الذي عارض رئيس حزبه إيهود باراك، ورأى أنه «لن يكون أمام المستوى السياسي في إسرائيل أي خيار سوى تأليف لجنة تدقيق، مع التأكيد على أن لا يعتقد أي جندي أن أحداً يسعى إلى تجريمه».
في المقابل، رأت رئيسة حزب «كديما»، تسيبي ليفني، أن تقرير غولدستون يرتكز على منظومة قيم مشوّهة، وأن الحرب على قطاع غزة كانت «أمراً مطلوباً».
وقدر مصدر أمني رفيع المستوى في المؤسسة الأمنية، أن لجنة تدقيق إسرائيلية ستؤلّف. ولفت إلى أنه «في ظل وضع يتحدث فيه اليمين واليسار في الحكومة عن تأليف لجنة، ينبغي الاستعداد لكل خيار». وكشف المصدر عن أن طاقماً داخل المؤسسة العسكرية يفحص التحقيق الشامل الذي أجراه الجيش بعد العملية من الناحية القانونية لا فقط من الناحية العملانية، مضيفاً أن هذا الطاقم «يفحص ادّعاءات تقرير غولدستون من أجل الاستعداد لإمكان أن نضطرّ إلى الردّ عليه قانونياً».