وكأنّ المصائب لا تكفي العراقيين. تآمرت الطبيعة بحرّها وبردها مع الاحتلال والفكر التكفيري، اللذين يقتلان أهل بلاد الرافدين، ويحرمانهم من نِعَم التطور التكنولوجي. التكييف في السيارات وحتى في المنازل شبه ممنوع عليهم، لضرورات أمنية
بغداد ــ زيد الزبيدي
لا يحق للعراقيين التمتع بما تنعم به بقية شعوب العالم؛ فالسيارات المكيّفة شبه ممنوعة عليهم، رغم حرارة الصيف اللاهبة، وبرودة الشتاء القارسة، وغزو عواصف الغبار المتواصلة، ورغم أنّ الحكومة منعت استيراد السيارات التي يزيد عمرها على سنتين، أي أن هناك أعداداًَ كبيرة من السيارات الحديثة الصنع في العراق، وخصوصاً تلك التي دخلت البلاد في أعقاب الغزو الأميركي من دون رسوم جمركية.
سيّارات مزودة بأجهزة التكييف، ولكن سائقيها يتجنبون استخدامه. هذه حال العراقيين. ففي العراق المحتل والمخرَّب، نجد كل العجائب التي لها مبرراتها. لا أحد من العراقيين ينسى كارثة ملجأ العامرية الذي قصفته الطائرات الأميركية في حرب عام 1991، عندما انصهرت داخله أجساد أكثر من 400 مواطن كانوا يبحثون عن ملاذ آمن من القصف، فتحوّل هذا المكان إلى «مصهر للأجساد»، بسبب الغلق المحكم للأبواب وعصف الانفجارات الذي حال دون إمكان فتحها.
وفي حربي 1991 و2003، تعوّد العراقيون على عدم إغلاق نوافذ منازلهم وأبوابها إغلاقاً محكماً، لأن أي انفجار يحدث بقربها يسبّب عصفه تخلخلاً في الضغط يؤدي إلى خلع الأبواب وتكسّر زجاج النوافذ، وربما هدم البيت بالكامل.
وكما هي حال نوافذ المنازل، فأصحاب السيارات يتجنّبون إحكام إغلاق شبابيكها لأنها تنكمش على نفسها عند حدوث انفجار بقربها، وتصبح مع راكبها كتلة من الصفيح المهترئ.
واستمرت هذه الحالة بعد الاحتلال وتزايد التفجيرات والعبوات الناسفة والسيارات المفخخة، لذا أصبح مرور السيارة بشبابيك مغلقة في أي شارع من شوارع العراق، يعني احتمال الموت جرّاء تحطم السيارة، وزجاجها على الأخص، عند حدوث أي انفجار في مكان قريب منها. ويحزّ في نفوس الكثير من العراقيين أنهم يستطيعون شراء سيارات ذات تكييف جيد أو بالغ الجودة، وفق إمكانية الشخص طبعاً، ولكن المشكلة هي: أين ومتى يستطيع المواطن استخدام هذا التكييف، بما أنه لا يستطيع إغلاق زجاج سيارته إغلاقاً جيداً، أسوة بزجاج منزله؟
ولعلّ الأنكى من ذلك، اضطرار أصحاب السيارات للانتظار في الحرّ الشديد ساعات طويلة عند محطات الوقود، أو عند مفترقات الطرق، وفي مداخل المناطق السكنية والتجارية ومخارجها، حيث تنتشر مفارز السيطرة والتفتيش التي تمر عبرها السيارات والشاحنات المفخخة بسهولة ويسر. والسبب هو أنه غالباً ما يحمل سائقوها هويات رسمية خاصة، صحيحة أو مزورة، بينما يعاني الشيوخ والأطفال والنساء من صعوبة المرور والوصول إلى منازلهم.
ومن المفارقات العراقية أنّ هناك من يدّعون بأنّ أزمة الكهرباء في البلاد، هي سبب إقبال المواطنين المتزايد ـــــ بعد الاحتلال ورفع الحصار الاقتصادي عن العراق ـــــ على شراء الأدوات المنزلية الكهربائية، وخصوصاً أجهزة الستلايت والكومبيوتر، إضافة إلى أجهزة التكييف. ويرى المواطنون أن هذا الإقبال كان من أكبر «المقالب» التي جاء بها الاحتلال، الذي فتح أبواب الاستيراد على مصاريعها، ومن دون أي ضوابط، للسلع والأجهزة الكهربائية الرخيصة والرديئة النوعية، فاشترى الناس بما يملكون من هذه الأجهزة، ولكن سرعان ما اكتشفوا أنها عديمة الفائدة، مع «اختفاء» الكهرباء، وخصوصاً أجهزة التكييف التي لا يمكن تشغيلها بالمولدات الكهربائية المنزلية أو الأهلية الباهظة الكلفة والعائدة للقطاع الخاص.
ولا يستطيع العراقيون اليوم استخدام السيارات المكيفة، لأنهم مرغمون على فتح نوافذها، خشية التأثير غير المباشر للتفجيرات، والأسوأ من ذلك أن الحكومة «العتيدة»، بكل إمكاناتها المالية الضخمة، لم تتمكّن بعد من استيراد آلة لطباعة أرقام السيارات بعدما سرقت أو فقدت الآلات السابقة إثر الغزو مباشرة. لذلك، يتطلب استيراد سيارة جديدة، «تسقيط» لوحة أرقام سيارة قديمة، ولذلك يبلغ سعر اللوحة الواحدة ثلاثة آلاف دولار. مبلغ يضاف إلى ثمن السيارة ذات التكييف الذي يحتاج تشغيله إلى إمكانيات أمنيّة تفوق قدرة الدولة الجديدة التي يبنيها الاحتلال.
وإضافة إلى «خلو» السيارات من أجهزة التكييف، بسبب «المقتضيات الأمنية»، فإن المواطن العراقي يعاني من مشكلة التنقل بسيارات الأجرة التي يفضّلها الكثيرون على السيارات الخاصة، رغم أجورها المرتفعة جداً.
ففي بغداد خاصة، تجد الآن عند مداخل كل منطقة، «محطّة» لتجمّع سيارات الأجرة، المختصة بالتنقل داخل حدود هذه المنطقة حصراً. ويؤدي عدم اجتياز أسوارها إلى انتظار طويل، لذا يحبّذ المواطن عندما يقصد أي مكان آخر، أن يستأجر سيارة توصله إلى «حدود» ذلك المكان، ثم يدخله على الأقدام، بعد عبوره حواجز التفتيش، ليستأجر من هناك إحدى سيارات المنطقة التي توصله إلى المكان الذي يريد، وذلك اختصاراً للوقت الذي يستغرقه دخول «الكانتونات».
هكذا يضطر العراقيون إلى استبدال سيارة الأجرة أكثر من مرة إذا ما كانوا يرغبون في التنقل من منطقة إلى أخرى، ما يضاعف التكلفة التي يعترف سائقو السيارات بأنها مرتفعة، لكنهم مضطرون إلى فرضها بسبب شح الوقود وارتفاع أسعاره في السوق السوداء، الأمر الذي جعل أجرة السيارة «التاكسي» في العراق أغلى بكثير من أجرتها في كل دول المنطقة.