منذ تولي الملك سلمان بن عبد العزيز الحكم في السعودية في 23 كانون الثاني الماضي، تولّى جزء من المراقبين الغربيين، بموازاة ذلك، تأطير أبرز مقوّمات المرحلة اللاحقة. لم يسعَ أحد منهم إلى تدوير الزوايا أو تجميل الصورة التي قد تتكوّن بفعل الحكم الجديد. ديفيد هيرست، مثلاً، توقع بعد وفاة الملك عبدالله أن يلجأ سلمان إلى إبعاد أخيه غير الشقيق مقرن عن ولاية العهد، رغم إشارته إلى أنه تقبّل الأمر الواقع في البداية، نزولاً إلى رغبة سلفه.
وفي الفترة ذاتها، كتب كثيرون، منهم سيمون هندرسون في «معهد واشنطن»، عن إمكانية حدوث انشقاقات في الحكم، استناداً إلى عدة مؤشرات، منها إصابة سلمان بـ«العته الذهني»، الأمر الذي قد يؤثر سلباً في كيفية إدارة السياسة الداخلية والعلاقات الخارجية للملكة.
بعدها بوقت قصير، أقصى سلمان الأمير مقرن عن منصبه، وعلى الفور عيّن نجله محمد (30 عاماً) في المنصب المستحدث، أي ولياً لولي العهد، ورئيساً لمجلس مستحدث، أيضاً، هو مجلس الشؤون الاقتصادية والتنمية، وذلك بعدما كان قد منحه حقيبة وزارة الدفاع سابقاً. هذه التغييرات، فرضت واقعاً جديداً وتساؤلات كثيرة بالنسبة إلى الغرب، ليس أوّلها التشكيك في خبرة محمد بن سلمان ولا آخرها مدى تأثيره في قرارات والده.
ومع تقدم الوقت، ازدادت المؤشرات على حدوث انشقاقات في الحكم. منذ أقل من شهر، نشرت صحيفة «ذا غارديان» رسالة لأمير سعودي يطالب فيها بتغيير النظام في المملكة، «التي تواجه أكبر التحديات على الإطلاق في الحروب التي تخوضها وفي تدني أسعار النفط، وكذلك في الانتقادات على إدارة موسم الحج». وأشارت الصحيفة إلى أن صاحب الرسالة هو من أحد أحفاد مؤسس المملكة عبد العزيز بن سعود.
أما الأسبوع الماضي، فقد كتب ديفيد إغناتيوس في صحيفة «ذي واشنطن بوست» مقالاً حذر فيه من أن السعودية «تعيش هدوء ما قبل العاصفة، بسبب الغليان داخل العائلة المالكة بشأن الحكم». وقال إن هناك توتراً بين ولي العهد السعودي ونائبه اللذين يناوران للوصول إلى العرش، بينما تدعم أطراف أخرى، من داخل العائلة الحاكمة، أحد كبار الأمراء لتولي زمام الحكم. وأشار الصحافي الأميركي إلى أن الصراع حول وراثة العرش فتح الطريق أمام نقاش كبير داخل العائلة الحاكمة، ما أدى إلى نشر أربع رسائل تدعو إلى عزل الملك سلمان وولي العهد. وأضاف: «تكلمت مراراً في الأيام الأخيرة، عبر الهاتف، مع الأمير الذي كتب رسالتين وعبّر لي عن وجود رغبة لتنصيب الأمير أحمد بن عبد العزيز، 73 عاماً»، وهو أحد أبناء الملك المؤسس عبد العزيز بن سعود. وأشار نقلاً عن هذا الأمير، الذي فضل عدم الكشف عن هويته، إلى أن هذا الخيار «سيحظى بدعم 85 في المئة من آل سعود».
آخر التحليلات والتقارير عن الانشقاقات في الممكلة نُشر قبل يومين، إذ تطرّق سيمون هندرسون مجدداً إلى مشكلة الحكم في السعودية، في تقرير في «معهد واشنطن». وقال إن «ولي العهد، وزير الداخلية الأمير محمد بن نايف (الصورة) يعتبر الخلف الأسمي المحتمل لمنصب الملك السعودي، لكن من الواضح أن محمد بن سلمان هو الأقرب إلى والده وهناك اعتقاد واسع النطاق بأن يكون هو الخليفة المُعد الحقيقي للمنصب الملكي». هندرسون أضاف أن محمد بن سلمان «كان يبدو في البداية كأنه يراعي الاحترام لابن عمه»، إلا أنه «بدأ حالياً يستخف بمحمد بن نايف».
وذكّر الباحث الأميركي بالحالة الذهنية للملك سلمان، الذي «يُظهر تدهوراً في قدرته العقلية»، موضحاً أن «هذه حقيقة اعتُرف بها حالياً على نطاق واسع ــ وليس بصورة علنية ــ من قبل العديد من المسؤولين الغربيين».
في ضوء هذه العوامل، تطرّق هندرسون إلى سيناريوات عدّة ممكنة، في المستقبل القريب أو البعيد، وهي:
ــ قيام الملك سلمان بعزل الأمير محمد بن نايف من منصبه كولي للعهد وتعيين محمد بن سلمان مكانه، الأمر الذي «قد يؤدي إلى مواجهة عسكرية بين الجيش السعودي والقوات شبه العسكرية الكبيرة التابعة لوزارة الداخلية تحت قيادة محمد بن نايف».
ــ تنحّي الملك سلمان عن منصبه الآخر كرئيس للوزراء، وتعيينه ابنه لهذا المنصب، وجعل نائب رئيس الوزراء الأمير محمد بن نايف مرؤوساً من قبل ابن عمه الأصغر سناً. ــ محاولة كل من محمد بن نايف ومحمد بن سلمان إطاحة أحدهما الآخر. ــ إجبار آل سعود على التنازل عن بعض أو كامل السلطة لمصلحة كبار الشخصيات العسكرية غير الملكية، التي تحظى بدعم القوات التي تحت إمرتها، والتي قد ترى حرب اليمن بأنها عمل أحمق.
(الأخبار)