حيفا ــ فراس خطيبلم تغب ذكرى المجازر الصهيونية عن بال فلسطينيي الـ48، الذين دأبوا على إحيائها رغم مرور عشرات السنين على وقوعها. إحياء يؤكد أن هؤلاء لم يفقدوا بوصلتهم الوطنية، رغم محاولات الأسرلة. صبيحة أول من أمس، كان الموعد مع كفر قاسم، التي شهدت مجزرة في عام 1956 راح ضحيتها 49 شهيداً، قتلوا بأيدي الجيش الإسرائيلي.
في كفر قاسم، أُعلن أول من أمس الإضراب العام، ولبس طلاب المدارس الزيّ الأسود، وحملوا الأعلام السوداء والأعلام الفلسطينية، إلى أن بدأ الفلسطينيون من مناطق مختلفة بالتوافد إلى هناك، حيث شارك الآلاف في المسيرة السنوية التقليدية.
لقد مرّت 53 عاماً، ولا يزال الفلسطينيون يذكرون ذلك اليوم جيداً. الشهداء لم يعودوا، لكنَّ أسماءهم الـ49 لا تزال محفورة على نصب تذكاري ضخم يتوسط المدينة. نصب يعيد من يشاهده إلى التاسع والعشرين من تشرين الأول عام 1956، قبل ساعات من شنّ العدوان الثلاثي على مصر، حين فرض حرس الحدود الإسرائيلي حظر التجوال على أهل القرية من دون علم الموجودين خارجها. وعند عودتهم إلى القرية، تلقّى الجنود الإسرائيليون أوامر بقتلهم لـ«كونهم خرقوا الأوامر».
لم يُكشف تماماً عن المجزرة الرهيبة. وفي السادس من تشرين الثاني، أي بعد أسبوع من تنفيذها، صدرت في الإعلام العبري أخبار عن قيام «لجنة تحقيق» في أحداث المجزرة، لكن من دون الكشف عن تفاصيل ما حدث فعلاً. وفي الثالث والعشرين من الشهر نفسه، أصدر عضو الكنيست توفيق طوبي، من الحزب الشيوعي الإسرائيلي، بياناً كشف تفاصيل المجزرة.
مرّت الأيام والسنين على تلك المجزرة البشعة، إلى أن اعترف أحد الضباط الإسرائيليين عام 2008، في حديث إلى «هآرتس» ، أنه رفض تنفيذ الأوامر، كاشفاً عن أنَّ الأوامر طلبت «قتل عشرة أشخاص في كل قرية عربية»، أي قرى المثلث الجنوبي.
وبما أن الشعب الفلسطيني لا يزال حتى هذه اللحظة يحيي الذكريات المأساوية، أحيت بلدة ترشيحا في منطقة الجليل الأعلى الذكرى الواحدة والستين لسقوطها كآخر بلدة فلسطينية في الشمال.
ترشيحا كانت مثل أخواتها من القرى الفلسطينية التي وقعت ضحية لعملية حيرام الصهيونية التي اتبعها الجيش الإسرائيلي في شمال فلسطين في حينه لـ«إبادة العدو» في «جَيب الجليل المركزي»، و«السيطرة على كامل الجليل، ووضع خط الدفاع على الحدود الشمالية للبلاد». في ذلك الوقت، ارتكبت العديد من المجازر في قرى عيلبون وسعسع وميرون.
وبحسب مؤرّخ البلدة صفوت عودة (79 عاماً)، «سقطت ترشيحا في 30 تشرين الأول عام 1948، أي بعد مرور أكثر من خمسة أشهر على إعلان قيام الدولة اليهودية. دمّر القصف نحو خمسين بيتاً على رؤوس أصحابها، ولم نستطع إنقاذهم، فلم تكن لدينا جرافات أو أجهزة في ذلك الوقت، وكانت الهجمة شرسة علينا».
وقال عودة، الذي كان أحد المقاومين، «هذه مناسبة إحياء ذكرى اجتياح ترشيحا. كانوا يطردون الناس بالشاحنات وكان الناس يحاولون الرجوع والعودة، وكانوا يطلقون النار على الناس في الطرقات حتى يمنعوهم من العودة». وأضاف «لقد قصفوا بالطائرات أيضاً قرىتي سحماته ودير القاسي المجاورتين لنا، واحتلوا 11 قرية في جنوب لبنان حتى قرية تبنين، لمنع الفلسطينيين من العودة أدراجهم».