لعل هذا ما كانت عليه الحال الشهر الماضي، عندما كتب محمد صالح المسفر في صحيفة «الشروق» القطرية تعليقاً على زيارة الرئيس المصري حسني مبارك إلى واشنطن، قائلاً «إنني أتشاءم كلما خرج الرئيس مبارك إلى خارج حدود مصر، وحسب الملاحظة والمتابعة لكل خطوة خطاها خارج مصر فإن خروجه لا يعود بالفائدة على أمتنا العربية».
بدوره، كتب أحمد العلي في صحيفة «الوطن» القطرية ينتقد طريقة تعامل السلطات المصرية مع جماعة «الإخوان المسلمين»، غامزاً من قناة احتكار القاهرة لملف الحوار الفلسطيني وتحسسها من «دخول أطراف إقليمية فيه، في الوقت الذي ترفض فيه التحاور مع أبناء شعبها من أعضاء الجماعة الإسلامية». وتابع «إذا كان النظام المصري يؤمن بالحوار، إلى درجة حرصه على رعايته بين «فتح وحماس»، حيث يقدم نفسه أمام العالم باعتباره «الراعي الرسمي» أو «الوكيل الحصري» للحوار الفلسطيني، حتى لو كان حواراً أو «هزاراً» في «الباطنية» أو «العباسية» فلماذا يخشى الجلوس على طاولة الحوار مع الإخوان؟».
الهجوم على مصر في الصحف القطرية الشهر الماضي كان أمراً غير مسبوق منذ توتر العلاقات، ويشير إلى وصول الأزمة، التي تستعر تحت الرماد، إلى مستوى جديد من التدهور. فالدوحة اعتمدت منذ البداية دبلوماسية الامتصاص، وتجّنبت التهجّم على القاهرة رسميّاً
إذا غابت الأزمة عن المواقف الرسمية فالإعلام كفيل بالتذكير بأن النار تستعر تحت الرماد
وفي مقابل النزعة التهدوية القطرية، بدا الاتجاه المصري تصعيدياً. هذا ما ظهر على سبيل المثال في تصريحات لوزير الخارجية المصري، أحمد أبو الغيط، في نيسان الماضي أكد في خلالها أن بلاده «لم تتلقّ الترضية المناسبة» من الدوحة، التي اتهمها بأنها شنت حملة على القاهرة إبان العدوان الإسرائيلي على غزة في كانون الأول من العام الماضي، في إشارة إلى التغطية الإعلامية لقناة «الجزيرة» للحرب.
وكان أبو الغيط قد هاجم الفضائية القطرية في كانون الثاني الماضي، بالقول إن «البعض تصوّر أن محطة فضائية يمكنها إسقاط الدولة المصرية دون أن يدرك أن مصر أقوى من ذلك بكثير». وأضاف أن «مصر كبيرة جداً وذات تأثير بالغ على الرغم من محاولات التأثير في هذا الموقف والدور سواء في قناة الجزيرة أو غيرها من القنوات».
وأبدت مصر مراراً امتعاضها من المزاحمة القطرية لجهودها في ملفات فلسطين والسودان، والعلاقة مع إيران، والتي تشكل محور أزمات الشرق الأوسط وقضاياه، وتمسّ في الوقت نفسه محور الأمن القومي المصري. إلا أن البعض يرى أن العجز المصري عن التوصل إلى حلول لهذه القضايا، والنظر إليها تحديداً في الملف الفلسطيني على أنها طرف منحاز لحركة «فتح» في مواجهة «حماس»، فتح شهية الآخرين لمحاولة القيام بدور في الملف.
مثل هذه الحساسية المصرية تجلّت هجمات إعلامية شرسة تضرب خبط عشواء بلا حدود أو ضوابط. فعلى سبيل المثال، كتب رئيس تحرير صحيفة «الجمهورية»، محمد علي إبراهيم، مقالاً في أيار الماضي بعنوان «فاقد السيادة لا تغطيه قمة»، قال فيه إن «إحساس قطر بالدونية عال جداً، ومن ثم فهي تشعل الدنيا ضجيجاً من حولها بمحاولة لعب أدوار قومية أو الادعاء بأنها تناصر المقاومة لأنها لم توقّع معاهدة سلام مع إسرائيل، مع أن الجميع يعرفون أن ما بينها وبين الدولة العبرية أقوى من المعاهدات.. أنه أشبه بالزواج الكاثوليكي».
أما رئيس تحرير صحيفة «المساء»، خالد إمام، فرأى أن «الخلاف بيننا وبين قطر خلاف عميق، لأن أسبابه تمس ثوابت لا يختلف عليها اثنان، وسيادة وأمن قومي ومصالح أكبر دولة عربية».
الأزمة على حالها، وإن غابت لفترات عن المواقف الرسمية. الإعلام يتكفل دائماً التذكير بأن النار لا تزال تستعر تحت الرماد.