ديوان المحاسبة يكشف عن هدر أموال في تسعير الأدوات والمستلزمات الطبية


محمد وهبة
أصدر ديوان المحاسبة قراراً مؤقتاً في شهر نيسان من السنة الجارية، يشير فيه إلى مخالفة في الصندوق الوطني للضمان الاجتماعي كبّدته مبالغ لم تكن تتوجب عليه، وهي ناتجة من التأخّر في إعادة النظر بتسعير سعر صرف الدولار، إذ إن الصندوق اعتمد بين عام 1996 وعام 2003 ضمناً، أي خلال 8 سنوات، تسديد قيمة استعمال واستهلاك الأدوات والمستلزمات الطبية على أساس سعر صرف للدولار الواحد يراوح بين 1611 ليرة، و1620 ليرة، و1633 ليرة، فيما سعر الصرف الرسمي كان دون هذا السعر.
والمعروف أن الصندوق يغطي الأدوات والمستلزمات الطبية المستوردة من الخارج بموجب مذكرة إدارية تحدد أسعار استهلاك هذه المستلزمات والأدوات خلال عمليات استشفاء المضمونين على أساس لوائح اسمية بها ترفق بسعر كل منها بالدولار وما يوازيه بالليرة. وفي 7 شباط 1996 صَدَرت مذكرة تحدّد هذه الأسعار بالدولار، وتبيّن أنها توازي 1616 ليرة، فيما سعر صرف الدولار مستقرّ منذ سنوات، وتبيّن لاحقاً أن تحديد هذه الأسعار الوارد في المذكرة لم يعتمد سعراً محدداً إنما أسعاراً مختلفة تراوح بين 1611 ليرة و1620 ليرة و1633 ليرة. واكتشف الديوان هذه المخالفة بعد ورود تقرير إليه من اللجنة الفنية في الصندوق بتاريخ 5 تشرين الثاني 2003، وتفيد اللجنة بأن اعتماد سعر الدولار 1611 ليرة «ليس له ما يبرره ولا سيما لغاية نهاية 2003 علماً بأن سعر صرفه مستقر منذ عام 1996». ودفعه هذا الأمر إلى إجراء تحقيقات مالية وإدارية، فجرى تكليف مدقق الحسابات لدى الديوان بالأمر، وبحسب مصادر في الديوان تبيّن أن هناك صعوبة في تحديد الرقم النهائي لما تكبّده الصندوق بسبب هذه المخالفة المتواصلة لمدة 8 سنوات، وهو ما أشار إليه المدير العام الحالي للصندوق في ردّه على الديوان، فقال إنه «يصعب استخراج قيمة فرق ثمن الأدوية والمستلزمات الطبية وهو عمل يستدعي فريقاً مالياً يكلّف خصيصاً لإنجاز هذه المهمّة»، لكن المصادر في الديوان تؤكد أنه تم «إهدار مليارات الليرات سنوياً من أموال المضمونين، وقد ذهبت إلى المستشفيات وتجّار الأدوات والمستلزمات الطبية والأدوية...».
من جهتها، نسبَت اللجنة الفنية مسؤولية التقصير في الصندوق وعدم تعديل سعر صرف الدولار وفقاً للأسعار الرسمية المعتمدة، إلى الإدارات المتعاقبة، إذ تم الاعتماد على المذكرة التي أصدرها في شباط 1996 المدير العام السابق عبد الحليم حريبي لسنوات، علماً بأنها قد صدرت استناداً إلى قرار وزير الصحّة العامة في آب 1995 القاضي باعتماد جدول محدد من المعدات واللوازم الطبية، وهو يتطابق مع لوائح الضمان بالرموز والأوصاف والتسعيرات. لكن، وبحسب قرار الديوان، كانت وزارة الصحة قد أدخلت تعديلات عدّة على لائحتها تماشياً مع انخفاض سعر صرف الدولار، علماً بأن الصندوق غير مجبر على الأخذ بهذه اللائحة لأنه مؤسسة مستقلّة.
إلا أن قرار الديوان الصادر بموجب الرقابة القضائية المؤخرة على الموظفين، يرى أن اللجنة الفنية تبلّغت في حينه مضمون المذكرة الصادرة عن حريبي، وبالتالي «كان حري بها لفت نظر الإدارة إلى وجوب اعتماد سعر متحرك للأدوات واللوازم الطبية، وهذا لم يحصل»، ملاحظاً أن عدم لفت النظر إلا في أواخر عام 2003، أي بعد انقضاء سنوات على استقرار سعر صرف الدولار «من شأنه أن ينسب التقصير والإهمال على عاتق اللجنة الفنية... إلا أنه ليس من شأنه إعفاء المديرين العامين للصندوق من المسؤولية الناتجة من التقصير».