صدرت أمس دعوات إلى تصعيد التحركات المطلبية رفضاً للرسوم والضرائب المفروضة على البنزين والوضع المزري للكهرباء... إلا أنها تأتي والحكومة في مرحلة تصريف الأعمال ولا يمكنها اتخاذ قرارات فيما الوزراء لديهم صلاحيات محددة
رشا أبو زكي
«بحسب التعريف القانوني لحكومة تصريف الأعمال، وبحسب تأكيد رئيس الجمهورية خلال الجلسة الأخيرة لهذه الحكومة، لا يمكن في هذه المرحلة اتخاذ أي قرار في مجلس الوزراء، فيما يستطيع الوزراء إصدار قرارات وفقاً لما يُتيح لهم الدستور، أي قرارات لا تستلزم اجتماع مجلس الوزراء»... هذا ما أكده وزير المال محمد شطح لـ«الأخبار»، مشدداً على أن الخبراء القانونيين المعنيين يشيرون إلى أن مجلس الوزراء يمكنه الانعقاد واتخاذ قرارات في مرحلة تصريف الأعمال في الحالات الطارئة حصراً، وتحديد ذلك يعود إلى رئيس الجمهورية ورئيس الحكومة.
يبدو أن المعنيين لا يعتقدون الآن أن هناك حالات طارئة تستدعي انعقاد مجلس الوزراء، وبالتالي فإن حالة الفراغ مستمرة، لكنها لم تمنع عدداً من القوى السياسية والنقابات العمالية من التهديد بـ«النزول إلى الأرض»، احتجاجاً على الأوضاع الاجتماعية والمعيشية التي تزداد سوءاً يوماً بعد يوم، لا بل تلتقي التحركات المزمع تنفيذها خلال هذه الفترة على نقطتين تمسّان مسّاً مباشراً وآنياً الفقراء وأصحاب الدخل المحدود، هما الرسوم والضرائب المفروضة على البنزين التي وصلت إلى 12350 ليرة على كل صفيحة، إضافة إلى التقنين القاسي للكهرباء الذي يلفّ لبنان من أقصاه إلى أقصاه!
فقد جدد الحزب الشيوعي اللبناني أمس إعلانه التحرك في جميع المناطق اللبنانية رفضاً للرسوم والضرائب الجائرة المفروضة على البنزين، ورفضاً للسياسة الكهربائية المتبعة التي تفرض التقنين على المواطنين، وأشار مصدر في المكتب السياسي إلى أن لجنة قطاع الشباب والطلاب في الحزب ستضع اللمسات الأخيرة على خطة التحرك اليوم، مشدداً على أنّ من غير المنطقي أن يلتزم المواطنون والمعنيون بالدفاع عن مصالح الفئات الشعبية الصمت بحجة وجود حكومة تصريف أعمال، إذ لا بد من التحرك على أبواب الشتاء وافتتاح المدارس التي تتزامن مع ارتفاع كبير في أسعار البنزين وزيادة غير مسبوقة في التقنين الكهربائي.
نبرة تشاؤميّة تسكن أعماله المنشغلة بالحوار «الإمبراطوريّة»
ويرى الحزب الشيوعي أن مبادرته للتحرّك هدفها حثّ جميع المواطنين المتضررين من الأزمة المعيشية القائمة على القيام بدورهم في الدفاع عن مصالحهم، ولكي يقولوا لمفتعلي الأزمات إن الأزمة الاجتماعية الحاصلة هي أولوية لدى المعنيين المباشرين بها، أي المواطنين أنفسهم، ويجب أن تكون أولوية كذلك لدى السياسيين الذين يديرون الصراعات وينقلون البلد من أزمة إلى أزمة من دون النظر إلى مشكلات المواطنين وهمومهم.
ويرى الحزب أنه بقدر ما تكون المشاركة بالاعتصامات والتحركات فاعلة، بقدر ما ستُطَوَّر هذه التحركات للوصول إلى الأهداف المطلوب تحقيقها، موضحاً أن اللبنانيين يدفعون أعلى مستويات من الضرائب والرسوم، وفي المقابل يحصلون على أسوأ أنواع الخدمات، لا بل تذهب الواردات الضريبية بغالبيتها إلى قلة من حيتان المال وقلة من المصارف الكبرى...
أما المجلس التنفيذي لاتحاد نقابات سائقي السيارات العمومية للنقل البري في لبنان، فأعلن بعد اجتماع برئاسة عبد الأمير نجدي أمس، أن الاتحاد يُعدّ لتنظيم تظاهرة شعبية لتمثّل صرخة ألم الناس ووجعهم، ورفضاً لسياسات القهر والظلم في خطوة أولى، وتستمر حتى تحقيق العدالة الاجتماعية والدفاع عن الصندوق الوطني للضمان الاجتماعي وفرض الالتزام بقانون العمل واستعادة كل الحقوق المكتسبة لكل العاملين بأجر.
ورأى رئيس الاتحاد عبد الأمير نجدي أن عدم تأليف حكومة يزيد تفاقم الأزمة الاقتصادية والاجتماعية التي تشتد ضغطاً على الفقراء وعلى السائقين العموميين الذين يعانون الأمرّين بفعل المسلسل الأسبوعي لزيادة صفيحة البنزين.
وجدد نجدي رفضه للسياسات الخاطئة وتحميل الفقراء، وخصوصاً السائقين مسؤولية المديونية العامة، التي بأغلبيتها نهبت نتيجة للهدر وسرقة المال العام والفوائد والسياسة الضريبية المعتمدة والاسترسال بسياسة تحميل الفقراء مسؤولية عجز الخزينة وخدمة الدين العام من دون المسّ بالإنفاق العام الذي يُوزَّع على قاعدة المحاصصة، وقال إن زيادة الضرائب لم تعد مقبولة وليذهبوا لاستعادة الأملاك البحرية والنهرية والأثرية. ودعا اتحاد نقابات السائقين العموميين القوى النقابية للتوحّد تحت سقف الاتحاد العمالي العام، عبر إعادة النظر بهيئة مكتبه وهياكله بما يضمن مشاركة الجميع، والتفاهم على برنامج مطلبي مشترك لمواجهة التحديات والمخاطر والتشارك في تحميل المسؤولية، وإطلاق حملة مطلبية بآليات منتظمة ومسؤولة عبر محطات احتجاجية ديموقراطية سليمة تعبّر عن ألم الشعب اللبناني ووجعه.
في المقابل، يرى رئيس جبهة التحرر العمالي عصمت عبد الصمد، أن التحرك حالياً في ظل غياب الحكومة لن يكون مجدياً، مشدداً على رفض الجبهة للرسوم والضرائب المفروضة على البنزين، وقال إنه يجب اختيار التوقيت المناسب للقيام بتحركات شعبية، مؤكداً أن الجبهة تتهيأ للتحرك إذا استمرت السياسات الاقتصادية والاجتماعية المتبعة بعد تأليف الحكومة الجديدة.
إلا أن رئيس الاتحاد العمالي العام غسان غصن لا يوافق عبد الصمد وجهة نظره في توقيت التحركات، إذ يرى غصن أن التحركات تكون مجدية عادة إذا كانت الحكومة مسؤولة وتقوم بواجباتها تجاه مواطنيها، سواء أكانت الحكومة في عقدها العادي أو في مرحلة تصريف الأعمال، إلا أن الحكومة لم تعمل بمسؤولية، وبالتالي لا يمكن السكوت عن سياساتها المتبعة.
وقال غصن إنه لا يمكن ترك الناس يموتون برداً خلال الشتاء تحت مبرر أن الحكومة هي في مرحلة تصريف الأعمال، ولا يمكن «تفليت» المدارس الخاصة لرفع الأقساط بحجة ارتفاع أسعار المحروقات مثلاً، وبالتالي فإن الحكومة، بأي صفة كانت، يجب أن تأخذ دورها الناظم والرقابي والتنفيذي. وأوضح أن عدداً من المعنيين يقولون إن نسبة التضخم ستوازي نسبة النمو، فكيف يمكن كبح المواطنين عن التحرك في ظل تناقص قدرتهم الشرائية بنسبة كبيرة؟
وأشار غصن إلى أن عناوين التحرك ستركز على الملف المعيشي الذي يتضمن رفض الرسوم والضرائب المفروضة على البنزين ووضع الكهرباء، ومن جهة أخرى، السياسة الاقتصادية المتبعة ومن ضمنها السياسة الضريبية الجائرة القائمة على الضرائب غير المباشرة.