مخيم بلاطة ــ معاذ عابدإنه رمضان في مخيم بلاطة للاجئين في نابلس. في ساعات الصباح الباكر يقوم الطلبة إلى مدارسهم من دون المرور بالبقالة الصغيرة التي تبيع لهم عادة شراباً مثلجاً في أكياس بلاستيكية، ودون الوقوف أمام عربات بائعي الحلويات الرخيصة المصنوعة من السميد. وجوه الناس في المخيم تعلوها مسحة إرهاق من الصيام، مع أن أغلبية الشباب يتسربون في النهار إلى أزقة المخيم حيث ترتفع رائحة التبغ الرخيص المشترى بالسيجارة «الفرط». بعض «الناشئة» يتوجهون إلى محالّ «الأتاري» لإضاعة الوقت وبعض العملات النقدية على ماكينات تسعد بالتهامها سريعاً. ويتوجه البعض الآخر إلى «النادي»، حيث يلعبون كرة القدم. هكذا يمضي النهار كئيباً، سمته إرهاق الصائمين، وطرق احتيال المفطرين لاقتناص فرصة لتدخين لفافة تبغ أو شرب كوب ماء على غفلة من الأهل و«النظام» العام.
مع اقتراب أذان المغرب تكتظ الشوارع بمن ينتظرونه بفارغ الصبر. قبيل المغرب بنصف ساعة تبدأ المساجد بتشغيل السماعات الخارجية لتبدأ تلاوة القرآن والشمس تغفو ببطء خلف الجبال، فالمخيم يقع بين جبل جرزيم وعيبال.
قبيل الأذان بدقائق تبدأ حملة التبادلات السنوية: أم حسن تحمل صحناً من «طبخة اليوم» لبيت أم علي، وأم محمد إلى بيت أم عمر. هكذا يتذوق لاجئو اللد طعام أهل يافا وأهل الفالوجة يذوقون طعام أهل الجليل، لتعمر موائد اللاجئين بأطباق من كل فلسطين التاريخية. يحافظ اللاجئون على عاداتهم منذ 1948. ورغم التنوع والتبدل في العادات ونوعية الطعام وكميته، إلا أن أهالي الفالوجة ما زالوا يحافظون على الشاي قبل الطبق الرئيسي مثلاً. وما زال أهل بعض المناطق الشمالية يعتقدون بأهمية وجود الحلويات جنباً إلى جنب مع الوجبة الرئيسية.
ما إن يحلّ الموعد، حتى تفرغ الشوارع وتبدأ أصوات الملاعق والصحون وأصوات أهل المخيم: «هات العصير، أين الماء؟ هل الشاي جاهز؟ أين فلان؟».
بعد تناول الحلوى ومشاهدة برامج القنوات الفضائية، تبدأ سلسلة الانفجارات. أطفال المخيم يشترون بمصروفهم المؤجل «الفتيش» و«الطقيع» والمتفجرات الصغيرة وأصوات «الطاع طاع» تملأ الشوارع والأزقة.
المراهقون يهرعون إلى الشارع للتنافس على أكبر عدد من السجائر لتدخينها علناً، وهم يتوجهون إلى النادي لمشاهدة بطولات الخماسيات في كرة القدم
أو لمشاهدة بعض المسرحيات أو للعب كرة الطاولة أو الشطرنج ولشرب عصير القصب من محل في أول المخيم.
فيما يتوجه كثيرون إلى الجوامع لأداء صلاة التراويح، ثم لبيوت الجيران أو الأصدقاء لتدخين الأرجيلة وأكل القطايف بكل أشكالها، بحسب البلد الأصلي للمضيف. هكذا، يجمع رمضان من حيث لا ندري موزاييك فلسطين لتصبح الوحدة مذاقاً في الفم.