ربما كان رئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس (أبو مازن) أكثر الرؤساء والشخصيات العربية والأجنبية قاطبة، زيارة للعاصمة المصرية؛ فمواسم وطقوس الحج التي يؤدّيها عباس لقاهرة المعز في طبعة الولاية الخامسة للرئيس المصري حسني مبارك لا تتوقف
القاهرة ــ خالد محمود
ليس بالإمكان إحصاء عدد المرات التي حصل فيها الرئيس الفلسطيني، محمود عباس، على مراسم استقبال رسمية حافلة في مصر، قبل أن يلتقي الرئيس حسني مبارك وكبار مساعديه لبعض الوقت؛ فالقاهرة باتت محطة رئيسية في معظم الجولات الخارجية لأبو مازن.
وكما قال دبلوماسي فلسطيني في القاهرة لـ«الأخبار»، فإن أبو مازن لا يبدأ أي جولة إلا من القاهرة لاعتبارات تتعلق بظروف الطيران، وهي أيضاً فرصة للتشاور مع «الشقيقة الكبرى» (مصر).
لكن الحاصل أن التشاور لا يقف عند هذا الحد، فالهاتف النقال لعباس لا يتوقف عن الرنين باعتباره وسيلة اتصال مستمرة مع الجانب المصري عندما لا يكون في القاهرة. وهو أيضاً حريص على أن تكون القاهرة محطته قبل الأخيرة قبل العودة إلى رام الله.
في زيارته الأخيرة للقاهرة، بدا أبو مازن عازماً على التراجع عن اندفاعه الطبيعي في مواصلة الاتصالات مع الحكومات الإسرائيلية المتعاقبة، حيث اشترط لعقد أي لقاء مع رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، وقف الاستيطان بموجب خطة «خريطة الطريق».
وقال عباس، عقب اجتماعه مع مبارك، «إن وقف الاستيطان شرط، وعندما نقول شرط لا نشترط نحن، ولسنا نحن من نضع هذا الشرط، بل إن هذا وارد في خطة خريطة الطريق، وأي شخص يعود لهذه الخطة يرى أن هنالك التزامات فلسطينية وأخرى إسرائيلية، والتزامات عربية وأخرى خاصة باللجنة الرباعية، وفي مقدمة هذه الالتزامات الالتزام الذي لم تنفذه إسرائيل حتى الآن وهو وقف جميع أشكال الأنشطة الاستيطانية، بما فيها النمو الطبيعي».
لكن نغمة التراجع لا يبدو أنها تقنع أحداً في تل أبيب وواشنطن. ورغم ما قاله أبو مازن في القاهرة، فإن حضوره لقمة ثلاثية تجمعه مع نتنياهو والرئيس الأميركي باراك أوباما قيد التحضير.
وقال مسؤول فلسطيني «بالتأكيد سيحضر أبو مازن. لا معنى لغيابه. هل يجب أن نترك المجال لإسرائيل كي تحضر لسياستها على نحو جيد مع واشنطن، علينا أن نتدخل الآن وعلى الفور».
بناءً على مثل هذا التناقض في المواقف، من الطبيعي أن تتدنى شعبية أبو مازن بسرعة، ولا سيما مع تحضيرات أميركية وفلسطينية «فتحاوية» لتسليم الضفة الغربية إلى السلطة الفلسطينية بحلول عام 2011، وفقاً لما قالته مصادر مصرية وفلسطينية متطابقة لـ«الأخبار».
وشرحت المصادر الوضع بقولها: «حالياً هناك مشروع الجنرال الأميركي كيث دايتون بمساعدة سلام فياض لإنشاء مؤسسات فلسطينية قادرة على احتواء الفوضى في الأراضي المحتلة بعد تسليمها».
وتقضي الخطة الأميركية، بحسب المصادر نفسها، بضخ ملايين الدولارات لمساعدة فياض على إنشاء كيانات نزيهة وسليمة تابعة للسلطة الفلسطينية يكون بمقدورها تسلّم زمام الأمور في الضفة وضمان عدم تحول الأمر تدريجاً إلى مصلحة «حماس» كما حدث في قطاع غزة.
ويجري حالياً بناء قوات أمنية وعسكرية وفقاً لقواعد صارمة تنزع الانتماء القبلي والفصائلي من كل المنتمين إلى هذه القوات الحديثة التي يراد لها أن تكون قوات قادرة على التدخل لحماية السلطة ومنع أي محاولة انقلابية عليها.
ما بين طموح فياض ومخاطر دايتون، تبقى تهديدات عبّاس بمقاطعة القمة الثلاثية المرتقبة في نيويورك خارج السياق. فهو لا يستطيع السباحة عكس التيّار، حتى وإن أراد ذلك.