حديث المصالحة الفلسطينية عاد إلى التداول، وأفكار جديدة للوسيط المصري في طريقها إلى العرض، لكن هل ستكون مختلفة عن سابقاتها، وتُحدث الاختراق المطلوب؟
حسام كنفاني
لم يكن حديث الرئيس الفلسطيني محمود عبّاس، ورئيس المكتب السياسي لحركة «حماس» خالد مشعل، عن ورقة مقترحات مصرية للحوار الفلسطيني مفاجئاً؛ فالوسيط المصري وصل إلى طريق مسدود في الجولات السابقة، والاختراق يحتاج إلى ابتداع أفكار جديدة، والسير بين نقاط الرفض غير المتقاطعة بين الفصيلين الفلسطينيّين.
وإذا كانت القاهرة جادة في السعي إلى جولة حوار ختاميّة ما بعد عيد الفطر أو مطلع الشهر المقبل، فلا بد لها من جهود جبارة على صعيد تذليل العقبات، التي تتراوح بين السهلة والمعقدة في بعض الملفات. وعلى هذا الأساس، فإن وفدها الأمني يحتاج إلى جولات مكوكية جديدة بين دمشق ورام الله، وربما غزة، للوصول إلى حد أدنى من التفاهم على حلول وسط، لعرضها على الاجتماع الشامل الذي تعتزم عقده لتخترق به الصيغة الثنائية التي كانت معتمدة في الفترة الماضية.
لكن للقاهرة تجارب سابقة في الأوراق والمقترحات، فهي منذ البدء بجولات الحوار، قدّمت ما لا يقل عن 3 أوراق ومقترحات كان مصيرها الفشل والاصطدام بحساب الأطراف الداخليّة. كذلك فإن للقاهرة تاريخاً مخزياً مع «المواعيد النهائية» للحوار الفلسطيني؛ فهي منذ نيسان الماضي حددت 4 «تواريخ نهائية»، كل منها كان يقود إلى آخر. وربما هي على هذا الأساس عمدت إلى عدم تحديد موعد ثابت للجولة الجديدة.
من هذا المنطلق، يكون السؤال عن ماهية المقترحات الجديدة وإمكان إحداثها اختراقاً فعلياً في الملفات العالقة، ولا سيما أن التصريح الأخير لمشعل في القاهرة عن رفض التنازل عن غزة للسلطة الفلسطينية، لا يوحي بأن في الإمكان الوصول إلى أرضية مشتركة بين الجانبين، وحتى إن تم ذلك فسيكون على أساس «بقاء الوضع على ما هو عليه».
الخلافات القديمة لا تزال على حالها، وربما تتجه نحو الأسوأ. ملف المعتقلين متوقف عند تفسير الاعتقال: سياسي أو أمني. هذا في الظاهر، عدا عن أن الابتزاز، سواء من «حماس» أو من «فتح»، يحكم تفاصيل هذا الملف ويحدد مصير المعتقلين في الضفة الغربية وقطاع غزة. وإلى الآن لا يمكن القول إن أي حلول في طريقها إلى الظهور، وخصوصاً أن نفي إطلاق أي من المعتقلين الأمنيين هو دأب سلطتي الحكم في غزة ورام الله.

المصالحة تحتاج إلى مقترحات ناجعة في ملفّي الأمن والمعتقلين وتشذيب الخلافات الانتخابية
هذا الملف من المفترض أن يكون فاتحة الدخول إلى جولة الحوار الختامي، وهو بالنسبة إلى «حماس»، على الأقل، لا يحتمل مقترحات وسطية، لذا فإن الورقة المصرية لا بد أن تتضمن حلاً جذريّاً للملف. حل يقوم على الضغط على الطرفين لإنهائه وفتح صفحة جديدة. وإذا لم يكن بوسع القاهرة القيام بأمر كهذا، فربما من الأفضل عدم تقديم أي مقترحات حلول.
إذا تمّ الانتهاء من هذا المدخل، يجب أن يتعاطى المسؤولون الأمنيون المصريون مع العقد الأمنية والسياسيّة في الحوار. من المعلوم أن مسألة حكومة الوحدة الوطنية قد جرى الانتهاء منها عبر الاتفاق على لجنة تنسيق بين حكومتي غزة والضفة عبر صيغة كونفدرالية غير معلنة، تكون مؤقتة إلى حين إجراء الانتخابات الرئاسية والتشريعية مطلع العام الجديد. ومهمة الورقة المصرية ستكون السجال حول صلاحيات اللجنة وحدود تدخلها وآلية تشكيلها.
مهمّة لن تكون شاقة في المقارنة مع الملف الأمني، الذي يمكن وصفه بالمعقّد، وخصوصاً مع ظهور الشرط «الحمساوي» الجديد لنقل تجربة إصلاح الأجهزة إلى الضفة الغربية، وعدم الاكتفاء بمعسكر تدريب في قطاع غزة. شرط يصطدم بالتفاهمات الأمنيّة للسلطة الفلسطينية مع إسرائيل والولايات المتحدة، الممثلة بالجنرال كيث دايتون. وأي حل وسط لهذا الملف لن يكون غير تنازل «حماس» عن شرطها أو ربما ترحيل الإصلاح الأمني من أساسه إلى ما بعد الانتخابات.
الانتخابات بدورها متوقفة عند عقدة القانون والنسب والنسبية والدوائر، وكل الأطراف تعرض مطالبها وفقاً لحسابات فصائلية ضيقة مرتبطة بموازين القوى التي من الممكن أن تنتج من الانتخابات المقبلة، في حال إجرائها. المقترح الوسطي المصري في هذا المجال بات معروفاً، وشبه متفق عليه: 75 في المئة نسبي و25 في المئة دوائر مع نسبة حسم 2.5 في المئة.
لكن العقدة الجديدة ستكون في ملف منظمة التحرير. فبعد الاتفاق في الجولات السابقة، جاء اجتماع المجلس الوطني وملء الشواغر في اللجنة التنفيذية للمنظمة، ليعيد خلط الأوراق.
المصالحة إذاً متوقفة على ما سيقدمه مدير الاستخبارات المصرية، عمر سليمان (الصورة)، رغم أن تجارب المقترحات الوسطيّة السابقة لا تبشّر بخير.