التهريب عبر الأنفاق لا يلبي الحاجة... والأهالي يلجأون إلى الاقتراض
غزة ــ قيس صفدي
البحث عن دفتر في غزة ليس مهمة سهلة. فالباحث يحتاج إلى وقت وصبر للتجول بين المحال والمكتبات، وربما لن يعود في النهاية بكل ما هو مطلوب مدرسيّاً، في ظل أزمة دفاتر وقرطاسية حادة تواجه قطاع التعليم في الأسبوع الثاني منذ انطلاق العام الدراسي في قطاع غزّة في 23 آب الماضي. أبو خليل جاب محالاً ومكتبات عديدة في مدينة غزة لثلاثة أيام متتالية يجمع خلالها ما يعثر عليه من دفاتر بكل أحجامها لأبنائه الأربعة في المدارس الحكومية، غير أنه في النهاية لم يلبِّ كل حاجياته. ويقول «لم أتمكن من جمع كل ما يحتاجه أبنائي من دفاتر رغم الجولة الكبيرة التي قمت بها على عشرات المحال التجارية والمكتبات في مدينة غزة، وحتى في مدن ومخيمات شمال قطاع غزة».

يبدو أن الدفاتر أصبحت أسلحة دمار شامل يحرّم دخولها إلى غزة
الأزمة الخانقة التي تعيشها غزة جراء منع سلطات الاحتلال الإسرائيلي إدخال الدفاتر ومستلزمات المدارس، دفعت أبو خليل إلى انتقاد العدد الكبير من الدفاتر الذي يطلبه المدرسون والمدرسات في المدارس، سواء الحكومية منها أو الخاصة. ويشير إلى أنه «في الماضي لم نكن ندقق كثيراً في عدد الدفاتر التي تطلبها المدارس، أما اليوم، وفي ظل ما نحن فيه، فإنه ليس هناك ما يستدعي أن يكون لكل مادة أكثر من ثلاثة أو أربعة دفاتر».
كثير من أولياء أمور الطلبة من أمثال أبو خليل يشتكون من عدم توافر الدفاتر بمختلف أحجامها، وخصوصاً الدفاتر من فئة 60 ورقة في أسواق القطاع. ويقول زهير عابد، وهو مدرس متقاعد، بكثير من الاستهزاء وبنبرة لم تخل من غضب، «يبدو أن الدفاتر أصبحت أسلحة دمار شامل يحرّم دخولها إلى غزة».
ولأن مصائب قوم عند قوم فوائد، استغل تجار الأنفاق أزمة الدفاتر والقرطاسية وهرّبوا كميات من الدفاتر المصرية إلى أسواق القطاع عبر أنفاق التهريب الممتدة أسفل الحدود الفلسطينية ـــــ المصرية في مدينة رفح، ومع ذلك لا تزال الأزمة قائمة في كثير من مدن القطاع.
ويعتمد الفلسطينيون على أنفاق التهريب للتزود ببضائع وسلع تمنع سلطات الاحتلال إدخالها إلى غزة ضمن قائمة طويلة من الأصناف منذ تشديد الحصار عقب سيطرة حركة «حماس» على غزة في 14 حزيران 2007.
ويشرح عابد أن «الدفاتر ممنوعة ويتم تهريبها من الأنفاق، كما يتم تهريب البصل والثوم والسيارات والمواشي، ومستقبل التعليم كله في خطر، ولا أحد مهتم في ظل الصراع والتنافس المقيت على السلطة والمناصب».
واختلفت وزارتا التربية والتعليم العالي في غزة والضفة على موعد انطلاق العام الدراسي لتزامنه مع شهر رمضان، فانطلق في غزة قبل نحو أسبوع على انطلاقه في الضفة في مطلع أيلول الجاري.
ويسخر عابد من اختلاف الفلسطينيين على موعد موحد لانطلاق العام الدراسي في الوقت الذي يتهمون فيه الاحتلال بالسعي إلى تجهيلهم وعرقلة مسيرة تعليمهم، متسائلاً: «هل تريدون من الاحتلال أن يكون حريصاً على تعليمكم أكثر من حرصكم على أنفسكم ومستقبلكم؟».

هل تريدون من الاحتلال أن يكون حريصاً على تعليمكم أكثر من حرصكم على أنفسكم؟

أما محمد ياسين، الطالب في الصف الحادي عشر في مدرسة خاصة في غزة، فيوضح معاناته في رحلة البحث عن قرطاسيّة، ويقول «إن البحث عن دفتر بات مهمة شاقة، وتستدعي التفرغ لها لساعات طويلة». ويضيف أن «المكتبات ومحال السوبر ماركت فرغت من الدفاتر خلال اليومين الأوّلين من العام الدراسي».
ويضيف ياسين أن «الاحتلال يعتبر الدفتر في يد الفلسطيني مثل السلاح». ويتابع «الاحتلال سعى على مدار عقود إلى تجهيل الفلسطينيين ودفعهم إلى سوق العمل، لكنه فشل. وهو اليوم يحاول مجدداً، مستغلاً الحصار».
ولأصحاب المكتبات والمحال التجارية في غزة روايتهم للأزمة الحالية، إذ يقولون «إن كمية الدفاتر التي كانت مخزنة من العام الماضي لم تسد حاجة السوق، وفرغت من المخازن خلال الأيام الأولى من بدء العام الدراسي».
ويوضح أبو السعيد، صاحب أحد محال السوبر ماركت الكبيرة في غزة، أن «الدفاتر المصرية المهربة عبر الأنفاق سدّت جزءاً من العجز في أسواق غزة، لكنها لم تنه أزمة الدفاتر نهائياً»، في إشارة إلى الطلب الكبير على نوعيّات معينة، وكثرة الطلبات المدرسية، التي لا يبدو أنها تراعي حال الحصار المفروض على القطاع.
وتسعى وزارة التربية والتعليم في غزة إلى التخفيف عن الطلبة وذويهم والتأقلم مع ظروف الحصار، بحسب وكيل الوزارة الدكتور يوسف إبراهيم، الذي يقول إن «الوزارة تسعى جاهدةً منذ بداية العام الدراسي للوصول إلى الحلول التي تتلاءم مع طبيعة الوضع المفروض على الشعب الفلسطيني والطلبة»، موضحاً أن «الوزارة أصدرت تعليماتها للمعلمين ومديري المدارس بمحاولة تخفيف العبء الدراسي عن الطلبة، من خلال تقليل عدد الدفاتر المطلوبة ومحاولة المزواجة بينها».
ورغم محاولات الوزارات، إلا أن الأزمة لا تزال قائمة، ما اضطرّ بعض الفلسطينيين إلى اللجوء لابتكارات على قاعدة أن «الحاجة أمّ الاختراع». فأمّ باسم اضطرت إلى اقتراض عدة دفاتر من صديقة لها يدرس أبناؤها في مدارس تابعة لـ«الأونروا»، إلى حين توافر الدفاتر في السوق وإعادتها لها، ولا سيما أن «الأونروا» اعتادت منذ عقود طويلة على توزيع دفاتر ومواد قرطاسية على طلبتها.

(أ ف ب)