الصدفة جنّبته الأزمة والكلام عن لغز مجرد «وهم»UNCTAD)
حسن شقراني
قد ترى تقارير عديدة أنّ تحدّي المرحلة المقبلة، الذي يواجه الاقتصاد العالمي، يتمثّل بالتضخّم، لكن، بحسب تقرير «مؤتمر الأمم المتّحدة للتجارة والتنمية» لعام 2009، فإنّ الهاجس يبقى الانكماش وعدم المضي قدماً بالسياسات التوسّعية المعتمدة على الإنفاق العام. فهذا الإنفاق بلغ حوالى 8 تريليونات دولار في البلدان الصناعيّة بهدف إعادة التوازن إلى الاقتصاد، بعدما تعرّض للتآكل بفعل سيطرة الجوانب الماليّة ـــــ الاسميّة على الجوانب الحقيقيّة، وتبقى الحاجة قوّية إلى مثل هذا الإنفاق التوسعي في البلدان النامية.
«التصدّي للأزمة العالميّة» و«تخفيف آثار تغيّر المناخ والتنمية» هما العنوانان الفرعيّان للتقرير الذي قدّمته المنظّمة الأمميّة في بيروت أمس، وتقول فيه إنّ البلدان النامية ستبقى تمثّل قاطرة للاقتصاد الكوني الذي سيتقلّص خلال العام الجاري بنسبة تفوق 2.5% نتيجة لـ«أزمة لم يسبق لها مثيل من حيث عمقها واتساعها».
لكن رغم أنّ المجموعة النامية ستحافظ على هذا الدور بفضل البلدان الناشئة «فعلياً» بينها، وتحديداً مجموعة النمور الآسيويّة الحديثة، وعلى رأسها الصين والهند، غير أنّها ستعاني من «الآثار المأساويّة للأزمة، ما يهدّد برنامج تحقيق الأهداف الإنمائيّة للألفيّة التي وضعتها الأمم المتّحدة».
التضارب في تقويم وضع المجموعة النامية موجود. فهي «محفّزة» الاقتصاد العالمي، وفي الوقت نفسه تتلقّى الضربات الدراماتيكيّة لأزمة لم يكن لها أي دور في اندلاعها، لكن عموماً، فإنّ البلدان ذات النموّ الصاروخي في تلك المجموعة اعتمدت على التجارة الخارجيّة والنموّ المقطور بالصادرات خلال العقد الأخير. أمّا في العام الجاري، فمن المتوقّع أن تتقلّص التجارة الدوليّة بنسبة 11%، بعدما كان الربع الأوّل منه قد شهد «تقلّص رأس المال الثابت والناتج الصناعي في معظم اقتصادات العالم الرئيسيّة بنسبة 10%».
هل من استثناءات تشذّ عن الثلاثيّة النامية: «البلدان الناشئة» ـــــ «البلدان النفطيّة» ـــــ «البلدان ذات الاقتصادات المتنوّعة»؟ نعم، لبنان، رغم انتمائه إلى الفئة الأخيرة.

تميّز وهمي

ينتمي لبنان، بحسب تقديم اللجنة الاقتصاديّة الاجتماعيّة لغربي آسيا (ESCWA)، إلى مجموعة تضمّ أيضاً مصر وسوريا والأردن في هذا الإقليم، صفتها «الاقتصادات المتنوّعة» أي التي لا تعتمد على النفط. تأثّر هذه المجموعة ينبع من «عودة عدد كبير من العاملين في الخارج وتراجع عائدات السياحة وانخفاض حجم الاستثمار الأجنبي المباشر وتراجع المساعدات الرسميّة للتنمية». هذه العوامل السلبيّة ستحدّ من قدرة تلك البلدان على تحقيق أهداف الألفيّة.
الاقتصاد العالمي يتقلّص %2.5 في 2009 وعوامل كثيرة تحدّ نموّ غرب آسيا
وإن كان هناك من «لغز» في تحليل استثناءات تلك القاعدة، فهو يتمثّل بالنموذج اللبناني، وفقاً لأستاذ الاقتصاد في جامعة الأردن إبراهيم سيف الذي شرح التقرير: «الاقتصاد اللبناني مختلط ويعتمد في جزء كبير من أمواله على المصادر الخارجيّة وما يحدث فيه هو ارتداد لما يحدث في الخارج»، وفقاً لسيف، ما يعني أنّ حدوث أزمة في الخارج يعني انتعاشاً في لبنان «حيث النظام المصرفي الآمن المعتمد على الهيكلة العائليّة التقليديّة» وطبعاً على الموارد العامّة، إذ يمثّل تمويل الدين العام أكثر من 55% من مجمل توظيفاتها.
لكن حتّى إن أدّت الودائع التي تدفّقت على لبنان، والتي بلغت خلال الأشهر الـ12 الماضية 16 مليار دولار بحسب المصرف المركزي، إلى جعل البلاد «حالة استثنائيّة»، على حدّ تعبير سيف، غير أنّ التقويم يبقى في النتيجة سلبياً. فالنموّ الاقتصادي الاسمي على سبيل المثال يُتوقّع أن يتراجع إلى 4%، أي بحوالى 100% مقارنة بالعام الماضي. وهذا الرقم يُقاس بمعدّل الخطورة على الصعيد الاجتماعي، وخصوصاً أنّ التقرير يتطرّق كثيراً إلى المؤشّرات الاجتماعيّة وأهداف الألفيّة.
ففي لبنان، يبقى معدّل الفقر المدقع يساوي 8% من إجمالي السكّان وفقاً للأرقام الأحدث التي قدّمتها وزارة الشؤون الاجتماعيّة، كذلك يحلّ في المرتبة الـ81 عالمياً على سلّم مؤشّر التنمية البشريّة بين 179 بلداً يبلغ المعدّل المثقّل لمؤشّرها 0.7 نقطة.
وتُضاف إلى ذلك مؤشّرات كثيرة متعلّقة ببطء مسيرة التنمية، وطبعاً بالتعقيدات السياسيّة ونموّ الدين العام وبقاء معدّله إلى الناتج المحلّي الإجمالي فوق 160%! ومن هذا المنطلق فإنّ «اللغز» اللبناني لا يعدو كونه صدفة وفّرت للبنان ملجأً من العاصفة الماليّة، التي يقول تقرير الأمم المتّحدة إنّها انتهت نسبياً وبدأ «الاخضرار، لكن الربيع لا يزال بعيداً».

مشكلة المنطقة

وإلى جانب مؤشّرات لبنان الخاصّة، هناك صعوبات المرحلة التي تمرّ بها منطقته. فبحسب مدير إدارة التنمية الاقتصاديّة والعولمة في الـ«ESCWA»، نبيل علي صفوت، من المتوقّع أن تسجّل مجموعة البلدان النفطيّة في المنطقة «عجزاً كبيراً في ميزانها التجاري في عام 2009، مقارنة مع الفائض البالغ 400 مليار الذي حقّقته في عام 2008»، إضافة إلى التأثير الطويل الأمد للأزمة على أسواقها الماليّة الناشئة التي تحتاج إلى كثير من مقوّمات المغامرة والمخاطرة لكي تنمو.
وهذه الصعوبات ستؤثّر كثيراً على لبنان المعتمد على أموال الاغتراب التي بلغت في العام الماضي 6 مليارات دولار ممثّلة أكثر من 20% من الناتج المحلّي الإجمالي، وفقاً لأرقام مصرف لبنان. والجزء الأكبر من ذلك المبلغ مصدره منطقة الخليج العربي النفطيّة. كذلك فإنّ النسبة الأكبر من اليد العاملة اللبنانيّة متمركزة في تلك المنطقة، وتحديداً في السعوديّة والإمارات العربيّة المتّحدة.
وعموماً، ستعاني الأقاليم الناشئة من أميركا اللاتينيّة وحتّى غرب آسيا مروراً بشرقها النامي من تراجع في النموّ خلال العام الجاري، على الصعيدين الكمي والتنموي، وذلك نتيجة الأزمة التي «لم تنشأ فجأة ومن فراغ، بل اندلعت في أعقاب سنوات من الاختلالات الهائلة داخل الاقتصادات الوطنيّة الرئيسيّة وفي ما بينها»، بحسب التقرير.
في خلاصة التقرير: البلدان ـــــ المركز في العولمة تجاهلت مؤشّرات الانفجار، وبلدان أخرى استفادت وهمياً منه، من دون أن تدري، مثل لبنان.


6 درجات مئويّة

هو مستوى ارتفاع درجة حرارة الأرض بحلول نهاية القرن الحادي والعشرين وفقاً لما يذكره التقرير الذي يشدّد على ضرورة مواجهة تأثيرات ذلك الواقع الذي سيكون له «تأثير سلبي شديد الوطأة في معظم البلدان النامية»، وهنا يمكن ذكر لبنان الذي تتدهور مؤشّراته البيئيّة


إعادة المردود الاجتماعي