هيمنت الأزمة الدبلوماسيّة السورية العراقية أمس على اجتماع وزراء الخارجية العرب في القاهرة، الذي انتهى إلى «شبه اختراق» لجهة اعتماد «خطوات دبلوماسيّة» ضمن إطار «عربي إقليمي»، بدل إصرار بغداد على تدويلها
القاهرة ــ خالد محود
انطلقت الاجتماعات نصف السنوية لوزراء الخارجية العرب، أمس، على مائدة إفطار رمضاني سخية أقيمت في حديقة مقر الجامعة العربية في القاهرة بمشاركة من رئيسة الدورة سوريا، والجامعة العربية، وسط ترتيبات أمنية مشددة. الاجتماع، الذي بدأ في الخامسة من بعد ظهر أمس، علّق وقت الإفطار ليعود ويلتئم في الثامنة مساءً لبت عشرات البنود المدرجة على جدول الأعمال المتخم دوماً بمختلف القضايا العربية، ولا سيما الأزمات المستجدة، وفي مقدمتها علاقات سوريا والعراق، إضافة إلى الحرب المندلعة في اليمن بين السلطة والحوثيّين. الخلاف بين بغداد ودمشق احتل الصدارة على جدول أعمال الدورة الـ132 لمجلس الجامعة العربية، لكن أمينها العام عمرو موسى، نجح وفقاً لمصادر عربية مطلعة تحدثت لـ«الأخبار» في نزع فتيل هذه الأزمة مؤقتاً، بعدما رعى اجتماعاً رباعيّاً بين وزير الخارجية السوري وليد المعلم ونظيره العراقي هوشيار زيباري، بحضور وزير الخارجية التركي أحمد داوود أوغلو في إطار جهود الوساطة التي تقوم بها بلاده في هذا الإطار، بهدف تطويق الخلاف وإعادة العلاقات بين سوريا والعراق إلى وضعها الطبيعي. وتحول الاجتماع إلى سباعي الأطراف مع انضمام كل من وزيري خارجية الأردن ناصر جودة وسلطنة عمان يوسف بن علوي، إلى جانب وزير الدولة السعودي للشؤون الخارجية نزار بن عبيد مدني.
وعكست تصريحات زيباري نغمة متفائلة بحل الأزمة مع سوريا، عندما أعلن أنه تم الاتفاق «على خطوات دبلوماسية» لمعالجتها خلال الاجتماع. وقال، في تصريحات في القاهرة، «تم الاتفاق على خطوات دبلوماسية وفنية وطلبنا معالجة جذرية (للمشكلات) التي تعوق تطور العلاقات». وأضاف «هذا أول لقاء منذ تفجيرات 19 آب المنصرم وسنواصل الاجتماعات وتم الاتفاق على لقاءات سياسية». بدوره، جدّد المعلم، خلال كلمته في افتتاح مجلس وزراء الخارجية العرب الذي يرأس دورته الحالية، تأكيد استعداد بلاده لتسوية الأزمة والاستجابة لمطالب الحكومة العراقية إذا قدّمت «أدلة ووثائق مقنعة». وقال «نحن منفتحون على حل الأزمة (مع العراق) على أساس تقديم أدلة ووثائق مقنعة».
وأضاف المعلم، الذي أكد في وقت لاحق التوصل إلى اتفاق على معالجة الأزمة في إطار «عربي إقليمي»، «لقد آلمتنا التفجيرات الإرهابية التي حدثت في بغداد يوم الأربعاء الدامي (في 19 آب الماضي) لكننا فوجئنا بعد أيام باتهامنا بإيواء» المسؤولين عن هذه الاعتداءات. وأشار إلى أنّ دمشق «أكدت مراراً وتكراراً دعمها الكامل وحرصها على وحدة العراق وأمنه واستقراره، ودعم العملية السياسية فيه وهي تعتبر أن أمن العراق واستقراره جزء من أمن سوريا». وفي مؤتمر صحافي بعد نهاية اجتماع الوزراء العرب، قال المعلم إنه اتُّفق خلال الاجتماع الرباعي على وقف الحملات الإعلامية بين سوريا والعراق وعلى تأليف لجان أمنية مشتركة والإسراع بعودة السفيرين. وأضاف أن «الاجتماع الرباعي كان هامّاً للغاية، لأنه شُرحت خلاله وجهات النظر السورية والعراقية بكل موضوعية، وكان الهدف أن نركّز على الانفجارات الدامية التي حدثت في بغداد في 19 آب» الماضي.
وقال دبلوماسي عربي إنه بدا واضحاً من خلال الاجتماع الرباعي في القاهرة، الذي تركز على الأزمة السورية ـــــ العراقية من مختلف جوانبها، «حرص الجميع على ضرورة حل هذه الأمة في أسرع ما يمكن». غير أن وكالة «أسوشيتد برس» نقلت عن دبلوماسي عربي قالت إنه حضر الاجتماع وصفه للقاء الرباعي بأنه كان «عاصفاً». وأوضح الدبلوماسي أنه في بداية الاجتماع قال داوود أوغلو إنه «حاول إن يقدّم إلى سوريا لائحة من المشتبه بهم في الاعتداءات ووثائق يقول العراق إنها تثبت تورط المشتبهين، غير أن سوريا رفضت قبولها».
وأضاف الدبلوماسي إن زيباري اتهم سوريا بأنها «تشعل القضايا الطائفية في العراق، وأنها تدعم الإرهاب والعنف وتهدّد الوحدة العراقية». فرد المعلّم بأن «العراق يتهم سوريا بأمر من الأجانب للتغطية على فشلهم في منع العنف»، مشدداً على «أن العراق يتلقى تعليمات أجنبية لتوريط سوريا في أشياء ليس لها يد فيها». هذه الأجواء «العاصفة» لم تمنع عمرو موسى من الخروج في مؤتمر صحافي في ختام أعمال الوزراء العرب ليعلن عن «أجواء هادئة وودية» سادت المشاورات. وأشار إلى أن الطرفين رحبا بوساطة الجامعة وأنقرة «لإحاطة الأزمة بسرعة». وقال إن «هناك مقترحات قدمت لاحتواء الموضوع وقوبلت بردود إيجابية»، من دون أن يوضح طبيعة المقترحات.
وكشف موسى عن أن الاجتماع الوزاري الخاص بالأزمة سيعاود الاجتماع الاسبوع المقبل في اسطنبول، وفي نهاية الشهر في نيويورك على هامش اجتماعات الجمعية العامة للأمم المتحدة، «وربما يضطر إلى اللقاء مرة رابعة» في مقر الجامعة في القاهرة، من دون أن يحدّد تواريخ معيّنة. وأضاف أن «الاجتماعات ستشمل التنسيق الأمني من منطلق أن الوقت هو للعمل العربي والإقليمي للإحاطة بالأزمة».
وأكد موسى ضرورة تنقية الأجواء بين دمشق وبغداد وفتح قنوات حوار مباشرة بين الطرفين، مشيراً إلى أنه «لا تنافس بين الجامعة وتركيا في معالجة هذه الأزمة».
ولفت إلى أن «الأمور يجب أن تدار بحكمة ويستفيد كل طرف من الجهود التي تبذلها الأطراف الأخرى ما دامت جميعاً تصب في مستقبل أفضل». واستبقت الخارجية المصرية اجتماع أمس بالإعلان أنها تولي اهتماماً كبيراً لموضوع تسوية الخلاف القائم حالياً في وجهات النظر بين العراق وسوريا حول ملابسات التفجيرات التي وقعت في بغداد. وقال المتحدث باسم وزارة الخارجية المصرية، حسام زكي، في بيان صحافي عقب اجتماع زيباري مع نظيره المصري احمد أبو الغيط، إن «وجهة النظر المصرية تتأسس على ضرورة قيام حوار مباشر وصريح بين البلدين لتجاوز هذا الخلاف وذلك في إطار روح من الأخوة والمودة من موقعهما كبلدين عربيين كبيرين». وأضاف أن «الموقف المصري يقوم على أهمية تجاوب مسؤولي البلدين مع المساعي المبذولة لإذابة الخلاف القائم بينهما، وخصوصاً في إطار جامعة الدول العربية».

مجلس الجامعة يرجئ قراراته إلى اليوم



لم تكف وزراء الخارجية العرب ساعات ليل أمس للخروج بقرارات في جدول الأعمال المطروح أمامهم، فاكتفوا بالخطابات والمشاورات المغلقة، مرحّلين القرارات إلى جلسة تعقد ظهر اليوم

أنهى وزراء الخارجية العرب، مساء أمس، جلستهم المغلقة في مقر الجامعة العربية في القاهرة بإقرار مشروع جدول أعمال الدورة الـ132 للمجلس الوزاري، الذي تضمن 28 بنداً في مختلف قضايا العمل العربي المشترك. لكنهم ارتأوا تأجيل إعلان القرارات إلى اجتماع ختامي سيعقد اليوم في الثانية عشرة ظهراً.
وقال مسؤول عربي شارك في الاجتماع إن وزير الخارجية السوري، وليد المعلم، الذي ترأس بلاده الدورة الحالية لمجلس الجامعة، «نجح في قيادة الاجتماع إلى بر الأمان وتجاوز أي نقاط خلافي». وأشار إلى أن المعلم علّق على انتقادات إسرائيلية للأمين العام للجامعة العربية عمرو موسى بعرقلة التطبيع بين العرب وإسرائيل، بالقول «إن هذه الانتقادات وسام على صدرك». وكان موسى قد حذر، في كلمته أمام الجلسة الافتتاحية للمجلس، من خطورة التهديدات التي تتعلق بالأمن القومي العربي والتي تهدد الدول العربية، مطالباً بعدم الركون إلى تطمينات من قوى دولية. ورأى أن «هناك أملاً في حدوث اختراق في العملية السلمية في ظل حرص أميركي على وقف الاستيطان وحل الدولتين».
بيد أن موسى قال إن «المؤشرات الإسرائيلية السلبية تنبئ بإطفاء شعلة الأمل في حدوث اختراق في عملية السلام»، مجدداً التزام العرب بالسلام من خلال مبادرتهم السلمية باعتبارها «الوثيقة الحاكمة» لحل الصراع العربي ـــــ الإسرائيلي. ولفت إلى أن «التطبيع يأتي في سياق المبادرة العربية التي تقول إن العرب على استعداد لإقامة علاقات طبيعية مع إسرائيل حال تنفيذها المبادرة لا أكثر ولا أقل»، محذراً من خطورة استمرار حالة الانقسام على الساحة الفلسطينية وتداعياتها على القضية الفلسطينية. ووصف هذا الانقسام بأنه «هدية مجانية» لعدوهم، مثنياً على الجهود المصرية لتحقيق المصالحة الفلسطينية.
بدوره، أشار المعلم، في كلمته، إلى أن «هذه الدورة تنعقد والأوضاع العربية ليست كما نريد وليست كما تريدها الأمة العربية في كل أرجائها، فالتحديات كثيرة وكذلك المخاطر»، داعياً إلى العمل على مواجهتها «برص الصفوف وتفعيل العمل العربي المشترك وتجاوز الخلافات والانقسامات والتركيز على القواسم والأهداف المشتركة».
ورأى المعلم أن «استمرار الاحتلال الإسرائيلي وانتهاك الحقوق الوطنية المشروعة للشعب العربي الفلسطيني هو في مقدمة ما نواجه من تحديات»، موضحاً أن «الموقف العربي الداعي لتحقيق السلام العادل والشامل المستند إلى تطبيق قرارات مجلس الأمن ومرجعية مدريد ومبادرة السلام العربية يواجهه موقف إسرائيلي يفتقر إلى إرادة صنع السلام ويتناقض مع الجهود الرامية لتحقيقه، بل ويؤكد إبقاء الاحتلال لكل الأراضي العربية المحتلة منذ عام 1967 ورفض الانصياع لقرارات الشرعية الدولية والمبادرات التي قدمت حتى الآن».
ووصف الوزير السوري «توجه الإدارة الأميركية الحالية للانخراط جدياً في عملية السلام بأنه أمر إيجابي ويشكل نافذة لفرصة يمكن البناء عليها والاستفادة منها». لكنه أضاف: «إلا أننا في الوقت نفسه نؤكد أن متطلبات السلام معروفة ومتفق عليها عربياً ودولياً، وكذلك فإن متطلبات استئناف المفاوضات قد اتُفق عليها في قرارات سابقة وهي موضع إجماعنا ومن بينها وقف كل أشكال الاستيطان ورفع الحصار عن الشعب الفلسطيني وخاصة في غزة، وما دون ذلك يعدّ تراجعاً خطيراً وضاراً بقضيتنا وموقفنا ويدفع إسرائيل إلى المزيد من التعنت والرفض».
وأوضح المعلم أن «الاستفادة من نافذة الفرصة المتاحة في ظل الإدارة الأميركية الحالية لا تكون باتخاذ أي خطوات تطبيعية مقابل وقف للاستيطان أو تجميده، لأن النشاط الاستيطاني غير شرعي ووقفه ملزم لإسرائيل قانوناً»، مشيراً إلى أن «مبادرة السلام العربية واضحة في كونها تهدف لصنع سلام قائم على انسحاب إسرائيل التام من جميع الأراضي العربية المحتلة بما فيها الجولان السوري واستعادة الحقوق الفلسطينية، وأن هذه المبادرة بحد ذاتها خطوة كبيرة لبناء الثقة عند الطرف الآخر، وفي الوقت الذي لم يكتف فيه هذا الطرف بعدم الاستجابة للمبادرة العربية، فإنه لم يقدم أي شيء باتجاه إيجاد الثقة لدينا بوجود إرادة حقيقية لديه لصنع السلام». ورأى أن «وقف الاستيطان ليس إلا مقدمة وشرطاً لإمكان التحرك باتجاه التفاوض من أجل تحقيق السلام».
وأضاف المعلم أن «الانقسام الذي تشهده الساحة الفلسطينية عامل بالغ الإضرار بالقضية الفلسطينية ككل وبالموقف العربي، ولا بد من وضع حد لهذا الانقسام، فالوحدة الوطنية الفلسطينية مطلوبة بقوة الآن وفي كل وقت وينبغي أن تكون اليوم أولوية فلسطينية وعربية بامتياز». وأضاف «لقد ساهمت سوريا من جانبها في دفع الأطراف الفلسطينية لإتمام المصالحة، ونحن أول الرابحين من هذه المصالحة لأن السلام العادل والشامل الذي نريده لا يكون من دون تحقيق تسوية عادلة للقضية الفلسطينية».
وبحث وزراء الخارجية العرب بنوداً تتناول قضايا العمل العربي المشترك وسبل تفعيله في جميع المجالات السياسية والاقتصادية والاجتماعية والتنموية والقانونية إلى جانب البنود الدائمة الخاصة بالقضية الفلسطينية والصراع العربي الإسرائيلي والتضامن مع لبنان وأوضاع اللاجئين العراقيين ورفض العقوبات الأميركية الأحادية الجانب على سوريا والحصار المفروض على السودان من قبل الولايات المتحدة والأزمة اليمنية.