محاولات للتملّص من تغطية المصابين بأنفلونزا AH1N1محمد وهبة
تلقّت شركات التأمين العاملة في لبنان أسئلة كثيرة عن مدى تغطية بوالص التأمين الصادرة عنها لفيروس AH1N1 «أنفلونزا الخنازير»، ولا سيما أن التوقّعات تفيد باحتمال انتشار الفيروس بقوّة في موسم الخريف المقبل... الأجوبة جاءت متباينة، فالشركات انقسمت بين من صرّح بأنه يغطي علاج هذا المرض مثل أي فيروس موسمي ما عدا الفحوص الخاصة به، فيما تهرّبت شركات أخرى من التغطية بذريعة أن الإصابة بالفيروس تندرج تحت بند الاستثناءات الذي يشمل الأوبئة، علماً بأنها كانت قد ضمّنت هذا البند كثيراً من الكلمات المبطّنة التي تسمح لها بالتهرّب في مثل هذه الحالات.

إمكان التغطية

تنطلق الشركات التي وافقت على تغطية الإصابة بالفيروس، من موافقة معيدي التأمين العالميين، الذين أبلغوا الشركات المتعاملة معهم أن لا سبب يحول دون شمول الفيروس في بوليصة التأمين الصحي.
وبحسب مسؤول في شركة آروب، فإن «بعض الشركات المحليّة لجأت إلى معيد التأمين، وطلبت منه أن يلحظ تغطية هذا الفيروس في عقود التأمين الصحي، وذلك بهدف منافسة غير شركات ولاستقطاب الزبائن وتحسين مبيعات البوالص»، مشيراً إلى أن الشركات غالباً ما تعمد إلى إقناع معيد التأمين بمدى أولوية هذا الأمر في عملية توسيع حصّتها في السوق.
ويروي وسيط تأمين في شركة «SNA» أن الشركة صرفت جهداً كبيراً في إعادة تأويل بنود العقود الموقعة مع الزبائن، وذلك بما يمكن أن يحسم إعلان أو رفض تغطية علاج أنفلونزا الخنازير. فهذا الأمر، برأيه، يحتاج إلى تفسيرات طبيّة عن طبيعة المرض، فضلاً عن أنه ينطوي على كلفة إضافية يجب تحليلها اكتوارياً، (أي الكلفة المقدرة قياساً على عدد البوالص وانتشار المرض)، وقد توسع البحث إلى بند الاستثناءات الموجود في البوالص الموقعة مع الزبائن، فتبين أنه لا يذكر صراحة هذا المرض، وبالتالي لا مانع قانونياً من تغطيته.

عقود ملغومة

إلا أن الفئة الثانية من الشركات، أي تلك التي تتهرّب من التغطية، كانت أكثر مكراً، إذ تبين أنها ضمّنت عقود التأمين مع زبائنها نصوصاً مبطّنة تفتح لها باباً للتهرّب من التغطية. ويقول الوسيط المذكور: «إن هذه الشركات لديها الكثير من الحيل الموجودة في العقود التي تضعها تحسباً لحدوث أي طارئ، مثل انتشار فيروس AH1N1»، لافتاً إلى أن هدف الشركات حماية نفسها قانونياً، وغالباً ما تنصّ عقودها على استثناءات لأمراض معيّنة وتضيف إليها جملة «وما شابهها»، كاستثناء تغطية أنفلونزا الطيور وما شابه، على سبيل المثال لا الحصر، أو أن عقودها تنص على استثناء أي وباء داخلي أو خارجي صراحة... وفي الحالتين سيكون بإمكانها التهرّب من تغطية الإصابة بالفيروس AH1N1 عبر الادعاء أن مرض أنفلونزا الخنازير يشبه مرض أنفلونزا الطيور، أو عبر الادعاء أن منظمة الصحّة العالمية أعلنت فيروس AH1N1 وباءً عالمياً.
وما يسهّل مثل هذا الأمر، وفقاً لوسيط التأمين، هو أن «وعي المستهلكين لم يصل إلى درجة تجعله يميّز في هذه الفروق الصغيرة في العقود، أو التدقيق فيها»، فضلاً عن أن «شطارة» البائع والاسترسال في شرح «محاسن» البوليصة، تصرف نظر المؤمِّن عن مثل هذه الجمل. وهذا ما يجعل الكثير من الشركات تقف في مواجهة أي محاولة لتنظيم مهنة «وسيط التأمين».
ويشرح الرئيس السابق لجمعية شركات الضمان في لبنان إيلي نسناس أن انقسام الشركات يرتبط بمضمون العقود، فإذا كانت الإصابة بهذا الفيروس مذكورة ضمن بند الاستثناءات، فإن الشركات غير مجبرة على تغطية المؤمِّنين المصابين به... إلا أن المشكلة في هذا الإطار كما يشرحها وسيط التأمين تكمن في إن بوالص التأمين لا تشمل، عادة، الأمراض المستعصية والخطيرة والأوبئة... إلا ضمن منتجات تأمينية خاصّة وبأكلاف مرتفعة جداً وسقف مالي محدّد في حال الإصابة، «فالمتعارف عليه بين الشركات أن هذه الأمراض مستثناة في العقود، وقد أربكها ظهور أنفلونزا الخنازير بعدما صنّفته منظمة الصحة العالمية أنه وباء».

تغطية العلاج فقط

على أي حال، إن الانقسام ليس حاصلاً فقط بين الشركات التي تتهرب من التغطية والشركات التي تلتزم بعقودها، بل إن الفئة الثانية تنقسم أيضاً بين شركات تقبل بتغطية العلاج من دون الفحوص المخبرية، وشركات أخرى تشترط أن تغطّي الفارق فقط بينها وبين جهة ضامنة رسمية، كوزارة الصحّة مثلاً، أو أنها تشترط وضع سقف مالي للتغطية.
وتتفق كل هذه الشركات على حصر التغطية في جانب العلاج داخل المستشفى فقط من دون الفحوص الذي تسبق اكتشافه، وحجّتها أن الأطباء والمستشفيات تجري الفحوص للمرضى عشوائياً، وفي حالات لا تستوجب ذلك: «فكل شخص يعطس يُجرى له الفحص»، علماً بأن وزارة الصحة هي التي تغطي نفقات هذه الفحوص، ما يراكم على موازنتها أكلافاً إضافية باهظة.

الحاجة إلى التدخّل

مرّة أخرى، تبدو حقوق المستهلك غير مضمونة عند شراء منتجات التأمين، وهذا ما يردده المسؤولون عن هذا القطاع في وزارة الاقتصاد، إذ لا وجود لأي دور للدولة في عملية تنظيم للقطاع.
وشركات التأمين تتحكّم تحكماً شبه كامل بإدارة السوق من دون أي معايير واضحة، بدليل ورود عشرات الشكاوى يومياً إلى مصلحة مراقبة شركات الضمان، وتتضمن تهرّب شركات تأمين من دفع الفواتير للمؤمّن أو لمن تغطيهم البوليصة، أو الضغط على صاحب الحق للتنازل في مقابل مبالغ أقل مما يستحق.


590.5 مليون دولار

هي قيمة أقساط التأمين (من دون التأمين على الحياة)، وهي تشمل بوالص التأمين الصحي المقدّرة في 2008 بنحو 300 مليون دولار (تشمل صناديق التعاضد)، علماً بأن وزارة الصحة تؤكد أن حصّة شركات التأمين توازي 6% من مجمل كلفة الصحة في لبنان



«ميونخ ري» تغطي «أنفلونزا الخنازير»تصريحاً خطياً من شركة إعادة التأمين العالمية «ميونخ ري»، تعلن فيه أن فيروس (AH1N1) أو أنفلونزا الخنازير لا يختلف عن الفيروسات المسببة لأمراض الأنفلونزا التي تغطيها عقود التأمين الصحي، ولذلك فإن المؤّمنين الذين يصابون بأنفلونزا الخنازير يعالجون على نفقة الشركات الضامنة.
أي إن الشركات المحليّة المتعاقدة مع «ميونخ ري» تشمل عقودها الصحية «أنفلونزا الخنازير» لكونه مرضاً موسمياً لا يقارن بـ«الأنفلونزا الإسبانية» التي اجتاحت العالم عام 1918