أحمد محسنوأخبرتني أمي عن سعاد، التي عرفها العالم بعد وثائقي عرضته إحدى الفضائيات. واستطردت أمي، الشاهدة على الدم الفلسطيني، أن سعاد كانت تعمل معها في مطبعة. كانوا يطبعون الكتب، تلك كانت جريمتهم. المهم في الأمر، أن سعاد كانت في شاتيلا، وأن ميليشيات المغول اغتصبوها. اكتشف الجميع أن الحادثة لم تكن مجرد كلاب تلهث خلف الثأر. كان مساراً طبيعياً في بيئة عنصرية. في اليوم التالي، زارت أمي المخيّم، وهناك، رأت ستالينغراد.
رأت آثار القنابل المضيئة تنطفئ خلف أكوام الموتى. رسم المغول شعاراتهم المعقوفة على الجدران. كأن النازيين دخلوا وارسو للتو. كلّ هذا والجيش الإسرائيلي كان الشاهد الوحيد، وحارس المغول. من يصدق ذلك؟ أشعر بالخجل من نفسي إذا حاولت التصديق. أخال الجنود ينتمون الى جيل تربى على تداعيات الهولوكوست، قبل أن يفهم مغزاها بعد صبرا وشاتيلا. لكن هنا لم يفهم أحد. أوصت الأمم بالجلاد وزيراً وحاكماً، بعدما سأم الشعب من الإمعان في القتل. صبرا وشاتيلا: اعتراف طويل بالخيانة اليومية.
ليس من كتاب عربي واحد يروي تفاصيل المجزرة. مجرد شهود هنا وهناك. كتب الفرنسيون والإيطاليون وحتى الإسرائيليون شناعة الموت في صبرا وشاتيلا. نحن لم نحرّك ساكناً. هكذا، تُصبح كاهان نعمة لشدة عارنا. طبعاً فلتذهب كاهان إلى الجحيم، كانوا يتفرّجون على الفلسطينيين يُذبحون. كي لا تموت الذكرى بموت الباقين، تذكروا جيداً: قبل ثلاثة عقود كان هناك بشرٌ في صبرا وفي شاتيلا، قذف الموت نفسه نحوهم، فهربوا إليه، ورحلوا على مقربة من صمت العالم.
في تلك الليلة التي غفت فيها عينا الله، ذُبح ألفا فقير، وكانت أمي تسمع أصوات موتهم.