اتفاقات ثنائية مع المهدي والترابي لمحاصرة البشير... ووعود إقليميّة بالاعتراف جمانة فرحات
إشارات عديدة تعكس مسار الحركة الشعبية لتحرير السودان في العمل على تهيئة الأجواء أمام خيار الانفصال، الذي ترغب في أن يؤدي الاستفتاء المقرر في عام 2011 إلى تكريسه. وتأتي الاتفاقات الثنائية التي تعمل الحركة على توقيعها مع الأحزاب السودانية في مقدمة الإشارات، إضافة إلى تصريحات مسؤوليها بشأن عدد من القضايا الرئيسية.
وتعكف الحركة منذ مدة على إجراء مباحثات مع عدد من الأحزاب السودانية، وبالأخص القوى المعارضة، في محاولةٍ لمحاصرة الرئيس السوداني عمر البشير عبر التوصل إلى تفاهمات ثنائية تمهّد الطريق أمام الاعتراف بالانفصال في حال حصوله.
آخر المحاولات كانت الحوار الذي انطلق قبل أيام بين زعيم الحركة سلفاكير ميارديت وزعيم حزب المؤتمر الشعبي السوداني المعارض حسن الترابي في مدينة جوبا (عاصمة جنوب السودان)، بهدف مناقشة القضايا الوطنية، بما فيها «التحول الديموقراطي والانتخابات الحرة والاستفتاء في جنوب السودان وما قد ينتج منه، سواء من اختيار البقاء ضمن حدود البلاد أو انفصال الجنوب عن الشمال»، وفقاً لما أكده نائب حزب المؤتمر عبد الله دينغ.
وفي السياق نفسه، جاء توقيع الحركة مع حزب الأمة القومي، بزعامة الصادق المهدي، قبل نحو أسبوع في مدينة جوبا على إعلان مبادئ بشأن استفتاء تقرير مصير جنوب السودان المزمع إجراؤه في عام 2011.
وعلى الرغم من أن الإعلان يقضي بأن يجري العمل على أن تكون «الوحدة الطوعية» بين الشمال والجنوب هي الخيار الرئيسي، إلا أن أبرز ما تضمنه إقراره أنه في حال سقوط خيار الوحدة يُحترَم «انفصال الجنوب وتكوين دولتين جارتين تعتمدان الإخاء وحسن الجوار القائم على العلاقات التاريخية والإنسانية والاجتماعية بين الشمال والجنوب التي تحتفظ لسكان البلدين الجارين بحقوق الارتفاق والتعايش السلمي والتعاون الأخوي».
أما الإشارة الثانية على توجه الحركة نحو الانفصال، فتجلّت بوضوح من خلال تصريحات الناطق الرسمي باسم الحركة، يين ماثيو، الذي أكد أنه «لا يمكن على المستوى الرسمي ضمان الوحدة بين شمال السودان وجنوبه»، مشيراً إلى أن «شعب الجنوب أقرب إلى الانفصال بسبب ما يعانيه من التفرقة وسوء المعاملة من الشمال». وذهب أبعد من ذلك للمطالبة منذ الآن بحقوق «دولة الجنوب»، وتحديداً حصة الدولة المفترضة من المياه عبر تعديل اتفاقية حوض النيل استعداداً لانضمام دولة جديدة.
ونقلت إحدى الصحف المصرية عن ماثيو قوله قبل أيام «إن جنوب السودان سيصبح الدولة الرقم 11 في حوض النيل، وبالتالي سيُعاد توزيع حصص مياه النهر بين الدول الأعضاء فى ضوء الواقع الجديد».
وكان قد سبق تصريح ماثيو، تهديد الأمين العام للحركة الشعبية لتحرير السودان، باجان أموم، بإعلان حركته الاستقلال عن شمال البلاد من داخل برلمان جنوب السودان بعد اتهامه حزب المؤتمر الوطني الحاكم بتزوير عملية التعداد السكاني للتأثير على نتائج الاستفتاء المقبل.

إعادة توزيع حصص مياه النيل في مقدمة مطالب الحركة الشعبية

كذلك يلفت المراقبون إلى عدد من الخطوات المسبقة التي أقدمت عليها الحركة منذ مدة غير قصيرة وتعكس رغبتها في تعزيز الخطوات العملانية للانفصال، أهمها على صعيد التمثيل الدبلوماسي، عبر لجوء الجنوب إلى فتح عشرات المكاتب التمثيلية للحركة الشعبية في عدد من الدول، في مقدمتها «قنصلية» في الولايات المتحدة. هذا فضلاً عن إنشاء حكومة الجنوب لمصرف مركزي، ووكالة أنباء بالإضافة إلى إعادة العمل بإذاعة وتلفزيون الجنوب.
يضاف إلى ما ذكر، التغييرات التي تقوم بها حكومة الجنوب في ما يتعلق بالمناهج التعليمية، إذ غُيِّر نظام الدراسة من اللغة العربية إلى اللغة الإنكليزية، وأُصدر منهج له باسم سكرتارية التعليم بالسودان الجديد.
ولا تقتصر محاولات الحركة على حشد الدعم المحلي لخططها، بل تتعداه إلى الصعيد الإقليمي ـــــ الأفريقي. وفي السياق، برزت مواقف للزعيم الليبي، معمر القذافي، الذي نقل ميارديت عنه قبل شهرين مساندته للجنوب إذا قرر الانفصال. هذا الموقف، على الرغم من نفيه من السلطات الرسمية الليبية، أعاد القذافي تأكيده قبل فترة وجيزة خلال لقائه مع عدد من قادة التمرد في إقليم دارفور، مشيراً إلى أن «الجنوبيين لم يكونوا يوماً من أبناء السودان، بل كان ينبغي أن يكونوا دولة مستقلة أو أن ينضموا إلى إحدى دول شرق أفريقيا».
وأمام هذه المعطيات يبدو أن الأشهر القليلة المقبلة ستكون من أصعب المراحل على السودان، نظراً لأن عدداً من القضايا العالقة، في مقدمتها قضية التعداد السكاني وموعد الانتخابات والنزاعات القبلية المتصاعدة في الجنوب ومشروع قانون الاستفتاء، باتت تلقي بثقلها على المشهد السياسي، ما يثير المخاوف من احتمال عودة الصراع المسلح، وهو ما تحذّر منه الأمم المتحدة وتسعى الوساطات الدولية، وتحديداً الأميركية، إلى تفاديه.