أدّت زيادات الأسعار، المتلاحقة، إلى اتساع الفجوة بين مستوى الدخل والإنفاق، ما رفع نسبة الفقراء في سوريا إلى أكثر من 65%، منهم ستة ملايين تحت خطّ الفقر، بناءً على بيانات لجنة الأمم المتحدة الاقتصادية والاجتماعية لغرب آسيا «إسكوا»، وكان للقرارات الحكومية المتتالية برفع أسعار المازوت بمعدل 80% دور واضح في التضخّم (المحلي)، إذ شهد سعر المادّة ارتفاعات متتالية خلال السنوات الثلاث الماضية، من 25 ليرة لليتر الواحد إلى 80 ليرة.
وقبل عدّة أشهر كانت الزيادة الأكبر، التي حُرِّر بموجبها سعر المادة، الذي أصبح بـ125 ليرة، كذلك ارتفعت أسعار الكهرباء والغاز، وأنواع الوقود الأخرى، بنحو 118%، ما أدى إلى رفع كلفة النقل بنحو 105%، وفقاً لبيانات المكتب المركزي للإحصاء.
ترفض الحكومة تحميل تحريك أسعار المشتقات النفطية مسؤولية الغلاء الذي شهدته البلاد منذ منتصف عام 2013، وفي هذا السياق يلقي معاون وزير التجارة الداخلية وحماية المستهلك، جمال الدين شعيب، بالمسؤولية على الارتفاع الكبير لسعر صرف الدولار مقابل الليرة السورية، الذي تحرّك من 50 ليرة، قبل الأزمة، إلى أكثر من 300 ليرة حالياً، وفي تصريحه لـ«الأخبار» يقول: «إنّ عدم استقرار سعر الصرف كان خلف زيادة تكاليف أسعار السلع والخدمات المنتجة محلياً، والمستوردة على حدّ سواء، إضافة إلى الظروف الاستثنائية التي فرضتها الحرب من قطع الطرقات، وخروج مناطق استراتيجية عن سيطرة الدولة».

تضخم مستورد

كلام شعيب قوبل باستهجان، وردّ علميّ من قبل عميد كلية العلوم الإدارية في جامعة «الشام» الخاصة، الدكتور عابد فضلية، الذي أشار إلى أن التضخم ينشأ عن «ارتفاع أسعار السلع والخدمات، سواء كانت منتجة محلياً أو مستوردة، أي إنّ هناك تضخماً محلّياً وآخر مستورداً، بغض النظر عن سعر الصرف». ويضيف في حديثه لـ«الأخبار» أنّ «قرارات الحكومة بزيادة أسعار المحروقات، وخاصّة المازوت، والغاز، والسكّر التمويني، والخبز، أسهمت بنحو 60% من التضخم الحاصل»، مشيراً إلى أنه «دون أدنى شك، كان لانخفاض قيمة العملة المحلية مقابل الدولار واليورو، العملتان اللتان نستورد بهما من الخارج المواد المصنّعة ونصف المصنعة والأولية، دور في زيادة التكلفة النهائية، وبهذا تراجعت القدرة الشرائية للمواطن وبالتالي الطلب، ورغم ذلك بقي المعروض هو الأكثر انخفاضاً».
وفي ضوء تراجع قدرة الحكومة، ممثلة بمؤسسات القطاع العام العاملة في مجال توفير المواد الغذائية والأساسية، يقول أستاذ الاقتصاد في جامعة دمشق، أكرم حوراني، إنّ ذلك «كان نتيجة سياسات اقتصاد السوق الاجتماعي، وما نجم عنها من انفتاح وتحرير تجاري، وإطلاق اليد لفعاليات القطاع الخاص، التي أسهمت، خلال الأزمة، برفع الأسعار حسب درجة مرونة الطلب، وكلما كانت السلعة ضرورية، أو نادرة، أمكن رفع سعرها أكثر».
ويؤكد عميد كلية العلوم الإدارية «إسهام الحكومة بسياساتها الهادفة إلى الرفع التدريجي للدعم، الذي انتهجته منذ بدء الأزمة، في تضخّم سلة المستهلك، وارتفاع أسعار الأسواق عامّة»، مبرراً توجهات الحكومة «بالخيار الأنسب في تعويض ما خرج من إيرادات رئيسية كانت ترفد الخزينة العامة للدولة في السابق»، وعلى أنه السبيل الأفضل، بعد تراجع التحصيل الضريبي، وتدنّي النشاطات الاقتصادية، وتقلّص عائدات قطاعات النفط والسياحة، واصفاً إجراءات رفع الدّعم، في ظلّ الحرب الشرسة التي تشن على سوريا، بـ«الاضطرارية لدعم الجيش العربي السوري، وصمود الدولة».

بلغ معدّل التضخم السنوي 23.6% بداية هذا العام مقارنة بشهر كانون الثاني 2014

من جانبه يعيد المصرف المركزي ارتفاع الأسعار إلى عدة عوامل، محلية وخارجية. ففي الشأن المحلي، يرتبط ارتفاع الأسعار «بتراجع الإنتاج المحلي الزراعي، وتدهور إنتاج المنشآت الصناعية نتيجة الأحداث الأمنية، وتضرّر معظم الأراضي المزروعة والمعامل، من أعمال التخريب والنهب والأعمال الإرهابية في المناطق الساخنة، إضافة إلى ارتفاع أسعار المشتقات النفطية، وصعوبة نقل الإنتاج المحلي، نتيجة عدم توافر طرقات آمنة، بالإضافة إلى انقطاع التيار الكهربائي لفترات طويلة، وهو ما أثر في ارتفاع تكاليف الحماية، وتكاليف النقل، في ظلّ المخاطر التي يتعرض لها قطاع النقل، إلى جانب احتكار الأسواق من قبل بعض التجار، واستغلال تذبذب سعر صرف الدولار لتحقيق مكاسب، عبر رفع أسعار العديد من السلع بنسبة أكبر بكثير من ارتفاع سعر صرف الدولار، وقد أدّت هذه العوامل مجتمعة إلى رفع تكاليف المنتجات».
وفي ما يتعلق بالعامل الخارجي، يؤكد «المركزي» في تقرير له أن «الحظر والعقوبات الاقتصادية أدّيا إلى ارتفاع تكاليف الاستيراد، وتراجع موارد القطع الأجنبي اللازم لتلبية الطلب على تمويل الاستيراد للقطاع الخاص»، وهو ما أسهم في «ارتفاع الطلب على القطع الأجنبي، وانخفاض سعر صرف الليرة مقابل العملات الأجنبية، الأمر الذي أدّى إلى ارتفاع التضخم المستورد، الذي يشكل الجزء الأكبر من معدل التضخم في سوريا».

«التموين» متهمة

لا تقف مسؤولية الحكومة في رفع الأسعار والغلاء عند تحريكها لأسعار السلع والخدمات الرئيسة، فالفوضى التي تعيشها الأسواق المحلية، وعجز وزارة التجارة الداخلية وحماية المستهلك عن النهوض بمسؤولياتها ومهماتها وإسهام ذلك بزيادة الأسعار، رتّب مسؤولية أخرى على عاتق الحكومة، وبحسب الباحث الاقتصادي، عمار يوسف، فإنّ الوزارة «لم تقم بواجباتها في السيطرة على الأسواق، لسببين: الأوّل، هو عدم رغبة الحكومة في إثارة حفيظة التجار في بداية الأزمة. والثاني، بسبب ضعفها وعدم قدرتها على التدخل لعدم وجود آليات واضحة قانونياً».
وتشير أحدث أرقام المكتب المركزي للإحصاء، إلى أنّ معدّل التضخم الشهري سجل في شهر شباط الماضي نحو 5%، فيما بلغ معدل التضخم السنوي، بداية هذا العام 23.6% مقارنة بشهر كانون الثاني 2014.
وعن الأساليب المجدية لخفض نسب التضخم والتحكم بها، يوضح حوراني أنّ «الحكومة تحاول الحد من التأثيرات الآنفة الذكر، عن طريق تدخلها المباشر في طرح بعض السلع، لكنها لا تمتلك الشبكة الكافية من أماكن التوزيع والكميات المتوافرة، ولذلك تبقى المعالجة جزئية. كذلك فإن الرقابة التموينية في فترة الأزمة غير مجدية أيضاً، ولذلك يبقى الحل الوحيد أمام المواطن، ذي الدخل المحدود، هو القبول بارتفاع الأسعار، وخفض الطلب والاستهلاك على المواد، والبحث عن سلع أقل جودة، إلى أن يفرجها الله».