رمى حذاءه باتجاه الرئيس الأميركي السابق جورج بوش واعتقل، تاركاً وراءه مقالات متباينة تقوّم فعلته التي رأى فيها البعض تخطّياً للمعايير الصحافية التي تحكم مهنة المتاعب
جمانة فرحات
لم يستطع الصحافي العراقي منتظر الزيدي، الذي رشق رئيس أكبر دولة في العالم بالحذاء، أن يقنع بفعلته الكثير من أقرانه الصحافيين؛ انقسم كتّاب الصحف بين متفهّم لخطوته على اعتبار أنها أتت لتعبّر عن النقمة التي تسود الشارع العراقي، ومنتقد لها انطلاقاً من أنها لا تعكس أسلوب مهنة الصحافة التي تأخذ من الكلمة سلاحاً.
«هل كان التصرّف الذي قام به منتظر الزيدي ضد المجرم بوش تصرّفاً طبيعياً ومهنياً وحضارياً؟»، تساؤل أطلقه الكاتب أحمد الناصري في صحيفة «المنارة» العراقية، وانبرى العديد من كتّاب الصحف العربية للإجابة عنه بين هجوم على الزيدي ودفاع عنه.
صحيفة «الشرق الأوسط» السعودية تصدّرت المهاجمين. وكتب رئيس تحريرها طارق الحميد مقالاً بعنوان «صحافة ديموقراطية الأحذية»، خلص فيه إلى أنه «لو كان الرجل الذي ألقى حذاءه على الرئيس الأميركي مواطناً عادياً وفعلها في أحد شوارع بغداد، لكان من الممكن القول إنه فقد اللباقة واللياقة، لكن أن يفعلها مراسل تلفزيوني فهذا أمر مستنكر، ومرفوض».
بدورها، لفتت ديانا مقلّد في مقال بعنوان «حين يتجسّد مجد العرب في.. حذاء؟!»، إلى أن «الزيدي سحب من يدنا (الصحافيين)، هو والمنتشون بفعلته، سلاح الإقناع والرأي والحجة ووضع في أيدينا حذاء»، رافضةً «أن نلغي عقولنا ونضع أحذية بدلاً منها». أما صادق دياب، فانتقد فعلة الزيدي في مقاله الذي حمل عنوان «صحافيون زلط ملط!»، متسائلاً «أي حالة نفسية دفعت منتظر الزيدي إلى تغيير أدواته، والاقتناع بأن الكندرة أصدق إنباءً من القلم».
وفي السياق نفسه، برز مقال علي الزعبي في صحيفة «أوان الكويتية»، بعنوان «اللغة الجزماوية؟»، واصفاً سلوك الزيدي بأنه «مشين وينمّ عن تهوّر وقلة أدب!».
كان المطلوب أن تفهم الإدارة الجديدة أن الاتفاق الأمني لا يستحق سوى قذفه بالجزمة
وذهب البعض أبعد من ذلك ليتهم الزيدي بأنه كان يبحث من وراء فعلته عن الشهرة التي فشل في تحقيقها من خلال عمله الصحافي. ورأى الكاتب في صحيفة «الرياض» السعودية، يوسف أبا الخيل، في مقال بعنوان «وعاد بنو يعرب بخفّي منتظر!»، أن الزيدي لم يكن «وهو يرمي حذاءه متحرّقاً لمناكفة مستبد، أو متحيّزاً إلى فئة المظلومين المنتهكة حقوقهم في العراق، بقدر ما كان يبحث عن وميض شهرة يعرف أنه لن ينل منها ما لم يضرب على وتر العاطفة الشعبوية، عربياً وإسلامياً».
ورأى جميل الذيابي، من صحيفة «الحياة»، في مقاله «كندرة الزيدي...ولمبة سينغ!»، أن الزيدي عجز عن «أن يقنع برسالته الإعلامية الآخرين إلا حينما رشق بوش بالكندرة، بعدما عجز عن كتابة مقالة تلهب العواطف العربية الجيّاشة، أو يقنع شعبه وعربه عبر تقديم رسالة تلفزيونية تحرّك المشاعر الجاهزة للهيجان، فبدّل حجة القلم بجزمته».
على المقلب الآخر، تفهّم عدد كبير من الصحافيين خطوة الزيدي، ورأوا فيها انعكاساً لغضب غالبية العراقيين لما اقترفته يدا بوش. وكتب جهاد الخازن في «الحياة» يقول «عبّر الحذاء عن رأي العراقيين، ثم العرب والمسلمين، بسياسة إدارة قتلت مليون عراقي، ثم جاء رئيسها إلى العراق مودّعاً وليتلقّى التهانئ على جريمته، فتلقّى ما تلقّى تمثال صدام حسين».
وفي «الحياة» أيضاً، رأى داوود الشريان في مقاله «الوداع بالخفّين» أن «الزيدي، وإن لم يصب بوش، فإنه قد أصاب الهدف المنشود من هذه الفعلة، لأنه كان المقصود أن ترتبط آخر زيارة لزعيم الغزو الأميركي للعراق بهذه الإهانة. وكان المطلوب أن تفهم الإدارة الجديدة أنّ الاتفاق الأمني لا يستحق سوى قذفه بالجزمة».
كذلك فعل الصحافي المصري في جريدة «الأهرام»، عبد المحسن سلامة، عندما أسبغ صفة المقاومة على فعلة الزيدي، قائلاً «منتظر الزيدي مواطن عراقي بغض النظر عن كونه صحافياً أو لا، فالجميع أمام الوطن سواء‏.‏ ليس هناك فارق بين صحافي وضابط وقاض وعامل وفلاح. وإذا كان الوطن محتلاً فالقضية أخطر،‏ ولا بد أن يتحول القلم إلى رشاش، وإذا لم يكن فعلى الأقل إلى حذاء».
الموقف نفسه تشاركت في إعلانه صحيفة «الديلي ميل» البريطانية، التي طالبت في حينه بألا يُدان الزيدي لأن «ما فعله كان احتجاجاً مفهوماً ضد كل ظلم من جانب بوش في العراق». كذلك رأت صحيفة «ليبراسيون» الفرنسية أن «منتظر الزيدي ترجم استياء أغلبية الشعوب العربية من الولايات المتحدة».