بغداد وأنقرة تؤسّسان لـ«تكامل اقتصادي» وترغبان بـ«صياغة مستقبل المنطقة»كانت مدينة اسطنبول، أمس، عاصمة للدبلوماسية الإقليمية، مع وجود عدد كبير من المسؤولين السوريين والعراقيين والعرب، حضروا لأهداف متنوّعة: تكريس اتفاقات شراكات استراتيجية بين أنقرة وكل من بغداد ودمشق من جهة، ومحاولة فتح ثغرة في جدار العلاقات العراقية ــ السورية
عُقد اجتماع رباعي في مدينة اسطنبول، أمس، جمع وزيري خارجية العراق وسوريا هوشيار زيباري ووليد المعلم، بحضور الأمين العام للجامعة العربية عمرو موسى ورئيس الدبلوماسية التركية أحمد داوود أوغلو، وذلك رغم تلميح بغداد أول من أمس، على لسان المتحدث باسم الحكومة العراقية علي الدباغ، إلى أنّ الاجتماع قد يُلغى.
لقاء انتهى بدعوة داوود أوغلو كلاً من بغداد ودمشق، إلى الوقوف «بتضامن كامل في مكافحة الإرهاب». ورغم أن تعليق الوزير التركي اقتصر على الطلب والإعراب عن الأمل، إلا أنه كشف أن «مزيداً من اللقاءات بين الطرفين ستُعقَد».
وإثر اللقاء، قال موسى إن اجتماعاً مماثلاً هو الثالث من نوعه سيُعقد على هامش أعمال الجمعية العامة للأمم المتحدة من 23 إلى 28 أيلول المقبل في نيويورك، ملمّحاً إلى أن اجتماعاً رابعاً «يمكن أن يُعقد لاحقاً». وكشف موسى وداوود أوغلو عن أن لقاء يوم أمس تناول مسألة اتخاذ «إجراءات أمنية» بين البلدين، من دون مزيد من التفاصيل. وعلى حد تعبير المسؤولَين، فقد سار اللقاء بطريقة «إيجابية جداًوفي مطلع الاجتماع، الذي عُقد في قصر شيراغان العثماني الذي حُوّل إلى فندق فخم، رحّب داوود أوغلو بـ«تصميم (العراق وسوريا) على التعاون لتوضيح قضية الهجمات الهمجية التي استهدفت شعب ودولة العراق»، في إشارة إلى اعتداءات «الأربعاء الدامي» التي نشبت على أثرها الأزمة العراقية ـــــ السورية.
وكان الدباغ قد كشف في وقت سابق أمس عن أن وزير خارجية بلاده سيحضر اللقاء الرباعي «استجابةً للأصوات التي طالبت بحل الأزمة بالطرق الدبلوماسية، وبناءً على مكالمة هاتفية تلقاها رئيس الوزراء نوري المالكي من نظيره التركي رجب طيب أردوغان».
وقبيل اللقاء الرباعي، شهدت اسطنبول سلسلة من اللقاءات التركية ـــــ العراقية التي اختتمت بتوقيع عدد كبير من الاتفاقات الثنائية، تحت شعار «الشراكة الاستراتيجية» على غرار ما حصل أول من أمس بين أنقرة ودمشق.
ونقلت وكالة «الأناضول» عن زيباري تشديده على رغبة حكومته بالتعاون مع تركيا «من أجل صياغة مستقبل المنطقة»، وذلك في افتتاح اجتماع «مجلس التعاون الاستراتيجي الأعلى التركي ـــــ العراقي». وذكّر بأن مجالات التعاون بين البلدين كثيرة مثل الأمن والنفط والغاز الطبيعي والمياه والصحة.

9 وزراء أتراك وعراقيين يهيّئون لمجلس وزراء مشترك برئاسة أردوغان والمالكي

أمّا داوود أوغلو، فقد أعلن من جهته أنّ بلاده ترغب «بالتوصل إلى تكامل اقتصادي شامل مع العراق»، كاشفاً أن حكومتي البلدين قررتا «التخطيط لمستقبل بلديهما وفقاً لنموذج الشراكة لتنفيذ مشاريع مشتركة للمرة الأولى». ووصف يوم أمس بأنه كان «تاريخياً» للعلاقات بين البلدين ولكل المنطقة لأن «نموذجاً جديداً للشراكة أبصر النور». ولفت إلى أن الهدف هنا «هو تحقيق اندماج اقتصادي كامل وبكل ما للكلمة من معنى وعلى أوسع نطاق»، موضحاً أن «المشاريع التي سنطبقها ستربط إدرين (شمال غرب تركيا) بالبصرة (جنوب العراق)».
وفي تبرير وساطته بين بغداد ودمشق، شدّد وزير الخارجية التركي على أن «استقرار العراق هو استقرار تركيا، وإذا كانت هناك مشكلة في العراق فبالتأكيد سيكون من الصعب على تركيا أن تبقى بعيدة عنها». ورأى أنّه «إذا امتدّ التعاون بين العراق وتركيا إلى المنطقة كلها، فإن الشرق الأوسط لن يكون منطقة أزمات ومواجهات، بل سيصبح مركزاً يتمتع بحضارة عظيمة وبتكامل اقتصادي وبمصالح مشتركة وبحوار سياسي مشترك، فضلاً عن آلية أمنية مشتركة».
حتى إنّ داوود أوغلو رأى أنه «عند تحقيق المشروع العظيم والأساسي، فإن شعوب المنطقة الذين عاشوا معاً منذ قرون، سيكونون قادرين على التعاون معاً في تكامل اقتصادي».
وفي السياق، أكّد مسؤولون في وزارة الخارجية التركية أنّ الوزراء العراقيين أعربوا عن حاجتهم إلى المياه وإلى تعاون السلطات التركية في هذا المجال، من خلال زيادة حصّة بلاد الرافدين من مياه نهري الفرات ودجلة، وهو ما أجاب عنه نظراؤهم الأتراك بالطمأنة إلى أن تركيا «ستواصل مساعدة العراق في هذه القضية». غير أن هؤلاء المسؤولين جدّدوا موقفهم الذي يفيد بأن مشكلة المياه «لا يمكن أن تحل فقط من خلال تزويد العراق بالماء، إلا أن تركيا ستقدم جميع أنواع الدعم التقني للعراق في إدارة المياه وترشيد استخدامها».
وشارك في اجتماعات المجلس من الطرفين، وزراء الخارجية والتجارة الخارجية والأشغال العامة والإسكان والطاقة والصحة والزراعة والبيئة، وذلك بهدف التهيئة «لمجلس وزراء مشترك» يُعقد في تشرين الأول المقبل برئاسة رئيسي حكومة البلدين، أردوغان ونوري المالكي.
(الأخبار، أ ب، أ ف ب،
رويترز، يو بي آي)