صندوق النقد يدرس الحالة اللبنانية المثلى لابتكار نموذج حسابييمثّل لبنان نموذجاً للبلدان ذات الدَّين العام المرتفع التي تُسهم فيها تحويلات المغتربين بقوّة في العجلة الاقتصاديّة. هل هناك رابط بين المعطيين؟ نعم، تقول ورقة بحثيّة لصندوق النقد الدولي. فاستدامة السيطرة على معدّلات الدين تتطلّب رفع العائدات الحكوميّة التي تمثّل الضرائب على أموال متلقّي التحويلات رافداً أساسياً لهاأصبحت التحويلات إلى البلدان النامية تفوق بأهميتها بقية أنواع التدفّقات، التي تدخل في حساب ميزان المدفوعات، ويزداد التركيز على دورها في استمرار الدورات الاقتصاديّة في البلدان المستقبِلة وإسهامها في استدامة الماليّة العامّة، وخصوصاً عندما تكون رازحة تحت ضغط خدمة دين عام كبير.
وتلحظ دراسة بحثية جديدة صادرة عن صندوق النقد الدولي أن قيمة التحويلات إلى البلدان النامية، أقلّها تلك التي تمرّ عبر القنوات الرسميّة، ارتفعت منذ عام 1998، لتحلّ مباشرة بعد الاستثمارات الأجنبيّة المباشرة، وتمثّل أضعاف تدفّق رأس المال الخاص والمساعدات الدوليّة، وبلغت قيمة تلك التحويلات، وفقاً للتقديرات الأحدث لصندوق النقد الدولي، نحو 135 مليار دولار، «وهناك أدبيّات مهمّة حالياً توثّق للفوائد المُحسِّنة لمستوى المعيشة التي تنتج من التحويلات لمصلحة المتلقّي».
ووفقاً للدراسة، فإنّ «النتيجة القائلة بأنّ للتحويلات تأثيراً كبيراً على السياسة الماليّة ومستوى استدامة (خدمة) الدين قد تكون للوهلة الأولى مفاجئة، إذ إنّه لا مطالبات حكوميّة متعلّقة بالأموال المحوّلة من شخص إلى شخص آخر» عدا طبعاً الرسوم التقليديّة على التحويلات الماليّة. لكن المتلقّي، إن كان فرداً أو عائلة، «سيعدّل في أنماط ادّخاره وإنفاقه طبقاً لمستوى نموّ التحويلات»، ما يؤثّر على المؤشّرات الماكرو اقتصاديّة وعلى الماليّة العامّة... وهذا ما تحاول هذه الدراسة درس تأثيراته على مسألة استدامة خدمة الدين العام في البلدان المتلقية للتحويلات.

الحالة اللبنانية المُثلى

في لبنان مثّلت التحويلات أكثر من 20% من الناتج المحلّي الإجمالي (حوالى 6 مليارات دولار) خلال عام 2008، فيما ارتفع معدّل الدين العام إلى الناتج إلى 162%، ما دفع ياسر عبديه ورالف شامي ومايكل غايبن وأمين ماتي إلى اعتماد لبنان بصفته «الحالة المُثلى» في دراسة أجروها للصندوق تحت عنوان: «الاستدامة الماليّة في البلدان المعتمدة على تحويلات المغتربين».
وتخلص هذه الدراسة إلى أنّ «إدخال عامل التحويلات في التحليل التقليدي لمدى استدامة الدين (توفير متطلّباته) هو إجراء أساسي في العمل لتحقيق تلك الاستدامة». وترى الدراسة أنّ «النموّ الحقيقي للتحويلات والناتج المحلّي يحدّدان نوعيّة السياسة الماليّة».
وعلى الرغم من اعتراف الباحثين بأنّ النتيجة التي يتوصّلون إليها «مبدئيّة»، فإنهم يشدّدون على أنّها «تُظهر اختلاف إجراءات السيطرة على الدين بين البلدان التي تختلف هيكليّات موازين مدفوعاتها».
3 سيناريوات تُظهر أنّ الفائض المطلوب ينخفض كلّما ارتفع تدفّق الأموال
وبهدف تحديد السياسات الماليّة المناسبة، تدعو الدراسة البلدان المعنيّة، انطلاقاً من النموذج اللبناني، إلى «النظر إلى الاستقرار عبر معايير عديدة». وهنا تظهر أهميّة مؤشّري «معدّل الدين العام إلى الناتج» و«معدّل الدين العام إلى الناتج زائداً التحويلات».
تركّز الدراسة على معدّلات النموّ العام ونموّ التحويلات إضافة إلى تضخّم الدين العام... لتحديد المؤشّرات الخاصّة بلبنان حتّى عام 2014، وتقول إنه «خلال الفترة بين عامي 2001 و2008 يُلاحظ أنّ معدّل الفائض الأوّلي (في الحسابات الوطنيّة) المطلوب لاستقرار معدّل الدين العام إلى الناتج المحلّي هو أكبر من ذلك المطلوب لاستقرار معدّل الدين إلى الناتج المحلّي زائداً التحويلات». وهذا يعود إلى أنّه خلال تلك الفترة «فاق معدّل نموّ التحويلات معدّل نموّ الناتج المحلّي الإجمالي»، أي بمعنى آخر «نموّ الناتج المحلّي الإجمالي، زائداً التحويلات، كان أكبر من نموّ الناتج المحلّي الإجمالي».
وتضع الدراسة 3 سيناريوات، للفترة بين عامي 2009 و2014، بهدف بحث التأثيرات الماليّة للتحويلات على التعديلات الماليّة، باعتبار أنّ نموّ الاقتصاد اللبناني سيتأثّر تأثّراً كبيراً من جرّاء موجة التباطؤ العالمي، وتحديداً في اقتصادات مجلس التعاون الخليجي:
■ السيناريو الأوّل يفيد بأنّ التحويلات ستنمو بنسبة 6% خلال الفترة المدروسة، ما يعني أنّها ستقاوم تداعيات الأزمة الماليّة ـــــ الاقتصاديّة العالميّة.
■ السيناريو الثاني يرى أنّ التحويلات إلى لبنان مرتبطة أساساً بالأداء الاقتصادي للبلدان مصدر الأموال. وهذا يعني أنّ تراجع معدّلات النمو في بلدان مجلس التعاون الخليجي والولايات المتّحدة وكندا وأوستراليا سيؤدي إلى تقلّص التحويلات إلى لبنان في عام 2009 بمعدّل يفترض صندوق النقد أنّه 15.9%. وخلال السنوات الباقية من الفترة المدروسة يُرجّح أن يكون معدّل نموّ التحويلات صفراً في المئة، نظراً لأوضاع البلدان مصدر التحويلات.
■ ويفترض السيناريو الثالث مثل السابق، أنّ التحويلات ستتقلّص بنسبة 15.9% في عام 2009، لكن سيشهد لبنان ارتداداً إيجابياً في السنوات اللاحقة، وسيسجّل تدفّق التحويلات نموّاً بنسبة تتراوح بين 4.2% و6%.

استقرار... وخفض

وتتطرّق الدراسة إلى حالتَي «الحفاظ على الدين عند المستويات الحاليّة» و«استهداف مستوى أدنى من الدين» خلال الفترة المدروسة. ووفقاً للسيناريوات المطروحة تختلف النتائج المحقّقة نظرياً.
وتعرض للتعديلات الماليّة المطلوبة بهدف خفض معدّل الدين بنسبة 30% بحلول عام 2014 مقارنة بعام 2008. وتقول إنّ «فائضاً أولياً يمثّل 7.2% من الناتج المحلّي الإجمالي كافية» لتحقيق ذلك الهدف، فيما «ينخفض المعدّل المطلوب إلى 6.9% لخفض معدّل الدين إلى الناتج المحلّي الإجمالي، زائداً التحويلات وفقاً للسيناريو الأوّل». ما يعني أنّه عندما ترتفع التحويلات يتراجع معدّل الفائض إلى الناتج المطلوب لخفض معدّل الدين إلى الناتج. ووفقاً للأرقام المفترضة فإنّ الفرق يبلغ 0.3 نقطة مئويّة. وفي المقابل، يرتفع معدّل الفائض إلى الناتج المطلوب، وفقاً للسيناريو الثالث، إلى 7.7% بهدف خفض معدّل الدين العام إلى الناتج المحلّي الإجمالي بنسبة 30% بحلول عام 2014.
وعموماً، فإنّ السيناريو الثالث يقع بين السيناريوين الأوّل والثاني من حيث سهولة خفض معدّل الدين إلى الناتج، وذلك يعود طبعاً إلى التوقّعات المتعلّقة بنموّ التحويلات. ومن هذا المنطلق تركّز الدراسة على أهميّة دفق الأموال في توفير خدمة الدين العام واستدامة عمل آليّات الماليّة العامّة عند هوامش إيجابيّة.
(الأخبار)


136.4 في المئة

هو معدّل الدين العام إلى الناتج المحلّي الإجمالي المتوقّع بحلول عام 2014، وفقاً للترتيبات الماليّة التي يفترضها مؤتمر «باريس ـــــ 3». وتلك الترتيبات تعني إتمام عمليّات الخصخصة المطروحة وزيادة الضريبة على القيمة المضافة إلى 12%.


3 قنوات للتأثير