كعادته في كل القمم والاجتماعات التي تنقلها شاشات التلفزة مباشرة، قدّم عقيد ليبيا في نيويورك أمس عرضاً استعراضياً عوّض في خلاله عن 40 عاماً من الغياب عن إلقاء الخطب في الأمم المتحدة
بعد بلبلة أحدثها في حدائق بلدات نيويورك من أجل نصب خيمته من دون أن ينجح، أعلن العقيد معمر القذافي أمس تمرده على مجلس الأمن الدولي ورفض إطاعته «منذ هذه اللحظة»، عارضاً رؤيته لإصلاح جذري لهيكلية الأمم المتحدة. وكان واضحاً أن القذافي قد نجح في استغلال تولي ليبيا رئاسة الجمعية العامة، التي قال إنها ستصوّت على مشاريعها الإصلاحية، عندما تجاوز الوقت المحدد لخطابه الذي عرض فيه مشاكل العالم وحروبه منذ 65 عاماً، مطالباً الأمم المتحدة بالتحقيق فيها جميعاً، ناهيك عن عرضه الحلول لمختلف معضلات الكوكب، من الصراع العربي الإسرائيلي عبر نظرية «إسراطين الشهيرة» إلى كشمير التي دعا لأن تكون دولة مستقلة.
واستهل القذافي كلمته بانتقاد المنظمة الدولية، قائلاً إنها فُصّلت على حجم الدول التي انتصرت في الحرب العالمية الثانية وصاغت ميثاقها حسب مصالحها. وحمل الكُتيّب الأزرق كي يتلو مواد منه، فقال إن «الديباجة تقول إن الأمم متساوية» القوية منها والضعيفة. وتساءل «هل نحن متساوون؟»، ثم تلا المادة التي تتحدث عن أن «القوة المسلحة لا تستخدم إلا للمصلحة المشتركة»، فأشار إلى أنه «بعد قيام الأمم المتحدة وقعت 65حرباً»، فتساءل مجدداً «ألم تستخدم القوة لغير المصلحة المشتركة».
وقال القذافي «لا نجامل ونحن نتحدث عن مصير العالم ومصير الجنس البشري، لا نفاق ولا دبلوماسية في هذا المجال». ثم أسهب في الحديث عن إصلاح مجلس الأمن والمقعد الدائم وحق النقض الذي قال إنه «غير موجود في الميثاق». وتساءل «من أعطى هذه الدول المقاعد الدائمة في مجلس الأمن»، مشيراً إلى أن «الصين هي الدولة الوحيدة التي تستحق المقعد الدائم لأنها الوحيدة التي صوّتنا لها». ورأى أن الحل القائم على زيادة عدد المقاعد في مجلس الأمن سيزيد الغبن والتنافس بين الدول، وطالب بديلاً عن ذلك بأن يتشكل هذا المجلس من الاتحادات القارية «من أجل تحقيق الديموقراطية»، وبنقل صلاحياته إلى الجمعية العامة على أن يخضع لقراراتها ويصبح أداتها التنفيذية. وقال «هذه هي الأمم المتحدة وليس مجلس الأمن» قبل أن يتوجه الى الحضور قائلاً «إنكم ديكور. إنهم يعاملونكم كديكور، منبر للخطابة فقط، هذا أنتم فقط، لا قيمة لكم».
ووصف القذافي أصحاب المقاعد الدائمة بأنهم «إقطاعية سياسية». وقال إن «مجلس الأمن منذ قيامه عام 45 وحتى الآن لم يوفر لنا الأمن، بل العقوبات والرعب، ويُستخدم ضدنا الآن، لذلك نحن لسنا ملزمين بإطاعة مجلس الأمن بتركيبته الحالية، ولا يستطيع أحد إجبارنا على البقاء فيه».
وأفاض القذافي في الحديث عن الاستعمار، مشيراً إلى أن المهاجرين الأفارقة الذين يتوجهون إلى أوروبا إنما يذهبون إليها كي يستعيدوا ثرواتهم التي نُهبت منهم. وجدد دعوته الى تعويض القارة السمراء عن الاستعمار بمبلغ قدره 777 تريليون دولار.
ورغم أن الرئيس الأميركي لم يكن حاضراً في القاعة لسماع الخطاب، ابتسم القذافي في حديثه عنه قائلاً إنه «ابننا أوباما»، معرباً عن سروره من هذا «الشاب الكيني الأفريقي الأسود» الذي يحكم الولايات المتحدة. وقال «نحن مرتاحون الآن لأن أوباما في السلطة»، مشيراً إلى أن «الخطاب الذي قاله أوباما قبلي يختلف عما أدلى به أي رئيس أميركي سابق». وأوضح «كانوا يقولون: سنرسل عليكم عاصفة الصحراء، وعناقيد الغضب، سنبعث عليكم الرعد.... وسنقود العالم». وتوجه الى الحضور قائلاً «تصوروا أن (الرئيس الأميركي الأسبق رونالد) ريغان قال إنه سيرسل الورد السامّ الى أطفال ليبيا». وتابع «أما الكلام الذي تفضل به ابننا أوباما فهو مختلف كثيراً، فقد دعا الى التخلص من الأسلحة الذرية، وأنه لا يستطيع حل مشاكل العالم وحده...» متمنياً لو يبقى في البيت الأبيض «إلى الأبد».

فنّد رؤيته لإصلاح الأمم المتّحدة ولحلّ مشاكل العالم
وسرد القذافي أحداثاً مضى عليها التاريخ، فاستذكر الرئيس الأميركي الأسبق جون كينيدي، وقال إنه «اغتيل على يد الموساد لأنه أراد أن يفتش في السلاح النووي الإسرائيلي». واستذكر ما حصل مع الزعيم الراحل صدام حسين، وتساءل «كيف ينفذ حكم إعدام بحق رئيس دولة من قبل عصابة ملثمة»، وأضاف «هل تدرون ما يقولون في الشارع: إن جورج بوش وطوني بلير كانا ملثمين ونفذا حكم الإعدام!». وتحدث عن انتهاكات أبو غريب.وتطرق الى الوضع في أفغانستان، وقال «فلتعمل طالبان دولة دينية ما شأننا بها» مشبهاً دولتها بالفاتيكان «المسالمة». وحذر من أن الحرب في أفغانستان ليست سهلة «كالذي ينطح في الجبل»، وأضاف «اتركوا أفغانستان للأفغانيين، والعراق للعراقيين».
كذلك تحدث القذافي عن اغتيال الرئيس رفيق الحريري، قائلاً «استغلوا جثمان الحريري ودمه لتصفية حسابات مع سوريا».وبينما ينجلي الليل على نيويورك، تشتد الحيرة في مكان إقامة القذافي الذي يرفض المبيت في غير خيمته؛ فقد ذكرت صحيفة «نيويورك بوست» أن الزعيم الليبي مُنع من نصب خيمته للمرة الثالثة بعدما أمر مفتش مبانٍ في وستشيستر بتفكيك الخيمة البيضاء الضخمة بعد وقت قصير من نصبها على أرض تعود الى رجل الأعمال دونالد ترامب.
وكان القذافي قد خطط الشهر الماضي لنصب خيمة في ضواحي ولاية نيوجيرسي، لكن الحكومة الأميركية رفضت. كما قوبل طلب إقامة خيمته في حديقة سنترال بارك في نيويورك بالرفض أيضاً.
(الأخبار)