القاهرة ــ الأخبارإعلاء دولة القانون التي يتحدث عنها الرئيس المصري، عبد الفتاح السيسي، في كلماته المتلفزة لا يطبقه شخصياً على أرض الواقع. هذا هو واقع المشروعات الكبرى التي أطلقها «الجنرال» خلال الشهور الماضية وتجاوز فيها القوانين، وذلك بإسنادها بالأمر المباشر إلى شركات بعينها متخطياً القانون.

مخالفة القانون بإسناد مشروعات بالأمر المباشر اتهام وجهه القضاء المصري بعد «ثورة يناير» إلى رئيس الوزراء الأسبق أحمد نظيف، ووزير داخليته حبيب العادلي، قبل أن يحصلا على براءة في ما عرف بقضية اللوحات المعدنية، التي جرى فيها إسناد إصدار لوحات مرورية جديدة للسيارات إلى إحدى الشركات الألمانية مباشرة، ما كبد الحكومة خسائر مع وجود عروض بتنفيذ المشروع نفسه بأسعار أقل.
وأجرى الرئيس المؤقت السابق، عدلي منصور، تعديلاً على القانون في 2014 يرفع الحد الأقصى لإسناد مشروعات بالأمر المباشر إلى عشرة ملايين جنيه (100 دولار أميركي = 804 جنيهات) بالنسبة إلى أعمال المقاولات، وخمسة ملايين لشراء المنقولات، بعدما كان لا يتجاوز الحد 500 ألف جنيه في القانون القديم.
وينص القانون على أن يكون التعاقد على شراء المنقولات ومقاولات الأعمال وعلى تلقي الخدمات والدراسات الاستشارية والأعمال الفنية، عن طريق مناقصات عامة أو ممارسات عامة، على أن تخضع كل من المناقصة العامة والممارسة العامة لمبادئ العلانية وتكافؤ الفرص والمساواة وحرية المنافسة، وكلتاهما إما داخلية يعلن عنها في مصر أو خارجية يعلن عنها في مصر وفي الخارج، ويكون الإعلان في الصحف اليومية.
وبينما يحدد القانون آليات تنظيم الإسناد المباشر، لا توجد عقوبات صريحة على ارتباك هذه المخالفات في مواد القانون، وهو ما يجعل الحديث عن عقوبات على مرتكبي المخالفة أمرا بعيد المنال، فيما سيرد ذكرها بأفضل الأحوال في تقارير الرقابة التي يصدرها «الجهاز المركزي للمحاسبات» أصلاً.
وبينما تفضل الهيئات الحكومية إسناد المشروعات بالأمر المباشر إلى القوات المسلحة باعتبارها جهة لا يمكن التشكيك في دقة تنفيذها المشروعات بأقل الأسعار، جاء اختيار السيسي مؤخرا تنفيذ مشروعات عدة تحت عباءة القوات المسلحة أو خارجها، مثل مشروع حفر تفريعة قناة السويس الذي حصل الرئيس على حق تنفيذه، بينما جرى التعاقد مع شركات عالمية لتنفيذه مع الاستعانة بشركات مصرية. وبذلك تحوّل الجيش ممثلاً في «الهيئة الهندسية للقوات المسلحة» إلى جهة تتابع التنفيذ وتنفذ جزءاً بسيطا منه.
وخلال المدة الأخيرة، توسع السيسي في تنفيذ مشروعات كبرى بالأمر المباشر، فبرغم إخفاق إسناده تنفيذ مشروع المليون وحدة سكنية إلى شركة «أرابتك» الإماراتية، أعلن إسناد تنفيذ المنطقة الرئيسية في العاصمة الإدارية إلى شركة صينية بالأمر المباشر، علماً بأن تكلفة تنفيذ إسناد المشروع تتخطى ما ورد في القانون، وتصل قيمة ما ستنفذه إلى نحو نصف مليار جنيه، وخاصة أنها ستنفذ منطقة الأبراج السكنية وفقاً للإعلانات الرسمية من وزارة الإسكان.
اللافت أن الإسناد بالأمر المباشر لم يقتصر على الشركة الصينية، ولكن على جميع الشركات العاملة في المشروع، فقد أعلن وزير الإسكان، مصطفى مدبولي، اختيار شركات المقاولات العاملة بعد مناقشة مع الوزارة دون مناقصات حتى الآن.
أيضاً، يستعد السيسي للتوقيع بالأمر المباشر على مشروع إنشاء محطة الضبعة النووية مع شركة «روساتوم الروسية»، علماً بأن تكلفة المشروع تتجاوز خمسة مليارات دولار، فيما يثير إسناد المشروع إلى الشركة الروسية بالأمر المباشر تساؤلات عدة، وخاصة بعدما ألغت وزارة الكهرباء التي ستشرف على المشرف مناقصة عالمية لتنفيذ المشروع كان يفترض أن تشارك فيها شركات صينية وأميركية وفرنسية.
كذلك، أجرت شركات صينية وأميركية دراسات جدوى لتنفيذ مشروع الضبعة، وقال بعض الخبراء إنها أقل تكلفة من الشركة الروسية التي ستتعاقد معها القاهرة قريبا. ولم تكشف وزارة الكهرباء المصرية سبب التوجه إلى الشركة الروسية دون غيرها من الشركات العاملة في المجال نفسه، مكتفية بالتأكيد أن قرار تنفيذ المشروع يخضع لاعتبارات «سيادية وأمن قومي» تستلزم مراعاة عدة عوامل بخلاف السعر.