h1>توقّع مبنيّ على ثبات الرسوم وارتفاع سعر النفطتتوقّع وزارة المال في مشروع موازنة عام 2009 أن تمثّل عائدات الرسوم على البنزين 57% من عائدات الرسوم الداخلة على السلع والخدمات، فهذه السلعة الاستراتيجيّة باتت مورداً عاماً حيوياً... ولكن ماذا عن الارتفاعات المرتقبة في سعرها الذي ينحو إلى الارتفاع باستمرار وإن بنمط مختلف عن السعر العالمي

حسن شقراني
هدأت موجة الأزمة الماليّة ـــــ الاقتصاديّة، وبدأ الطلب العالمي بمختلف أشكاله ينتعش. قبل تلك الأزمة كانت الضغوط التضخّميّة قد غزت مختلف البلدان وارتفعت أسعار السلع الاستهلاكيّة بنسب تتراوح بين 50% و150%. الآن، إذاً عادت تلك الضغوط بسرعة، ويمكن توقّع ارتفاعات حادّة أبرزها سيُرصد في لبنان على صعيد الغذاء طبعاً، لكن على نحو أكثر وقاحة على صعيد المواد النفطية. فإلى أيّ مدى يمكن أن يرتفع سعر البنزين؟

خلفيّة أزمة

نتيجة لموجة ارتفاع كانت قد امتدّت لأكثر من 10 أشهر، سجّل سعر النفط في تمّوز 2008 مستواه القياسي التاريخي البالغ 147 دولاراً للبرميل، وكان هذا المستوى يعكس التخوّف في الأسواق من «الاتجاهات» في مراكز المال. وفي تلك الفترة تجاوز سعر صفيحة البنزين (95 أوكتان) في لبنان 33 ألف ليرة، فيما سجّل سعر الصفيحة «98 أوكتان» 34000 ليرة.
«أرقام خياليّة» مثّلت ارتفاعاً بواقع 10400 ليرة خلال عام واحد. ولكنّها إلى حدّ ما عُدّت مقبولة لأنّها تماهت مع جنون الأسعار عالمياً. ولكن حتّى بعد تراجع سعر النفط عالمياً، الذي بدأ في خريف العام الماضي، واستقرارها في الأشهر الأخيرة بين 60 دولاراً و77 دولاراً للبرميل، لم يُظهر سعر البنزين في لبنان مرونة إيجابيّة.
فوفقاً للسعر المحدّد في جدول الأسعار الصادر عن وزارة الطاقة الخميس الماضي، يبلغ سعر صفيحة البنزين (95 أوكتان) 30400 ليرة. فيما سعر البرميل المسجّل يومها في بورصة نيويورك كان 69 دولاراً (وهو المستوى نفسه تقريباً المسجّل قبل أسبوعين والذي يؤثّر بشكل أدقّ على السعر المحدّد في لبنان).
إذاً فالسعر عالمياً لا ينعكس بالضرورة بالنسبة نفسها في السوق المحليّة، والسبب بسيط وينقسم إلى معطيين: الأوّل هو نسبة الضرائب والرسوم التي تمثّل حوالى 40% من سعر المبيع للمستهلك. والثاني هو اختلاف التقويمات بين سعر الخام وسعر المشتقّات النفطيّة.

اختلاف التقويم

وفي حديث إلى «الأخبار» يشرح مصدر مطّلع على الواقع النفطي في لبنان المسألة الثانية بالإشارة إلى مستوى العرض والطلب وقدرة المصافي على تلبية حاجات السوق. ويقول إنّ «الارتفاعات والانخفاضات التي تطرأ على أسعار العقود النفطيّة الآجلة في أسواق تداول السلع لا تنعكس اتجاهاً موازياً في سعر البنزين والمازوت وباقي المشتقّات النفطيّة». ويوضح أنّ مسألة تحديد قيمة المشتقّات سوقياً مرتبطة بالدرجة الأولى بالعرض والطلب خلافاً لواقع النفط الخام المتأثّر بهامش واسع بالمضاربات واتجاهات الأسواق الأخرى.
وعلى سبيل المثال «قد تشهد السوق ارتفاعاً في سعر خام النفط بواقع دولارين، إنّما ينعكس ذلك ارتفاعاً مضاعفاً أي بـ 4 دولارات في سعر البنزين»، وفقاً للمصدر نفسه، الذي يشير إلى أنّه في فترة الخريف يبدأ الإعداد لارتفاعات في سعر المازوت نظراً إلى ارتفاع الطلب عليه بقوّة في موسم الشتاء. وهو ارتفاع يأتي بعدما يكون قد سُجّل في الصيف ارتفاع في الطلب على البنزين بسبب العطَل أي زيادة الاستهلاك. وينتج عن ذلك طبعاً ارتفاع في الأسعار.
إذاً فسعر البنزين لا يمكن ربطه بمعادلة ثابتة بسعر النفط، لكن يمكن إلى حدّ ما استنتاج معادلة بسيطة يمكن على أساسها توقّع السعر في المستقبل على أساس توقّعات أسعار الخام عالمياً.
ويُحدّد هذا الاستنتاج عبر معطيات أساسيّة: الأوّل هو أنّ الحكومة ثبّتت الرسوم على سعر صفيحة البنزين في بداية العام الجاري. وكان السعر حينها يبلغ حوالى 22500 ليرة، ومثّلت الرسوم (إضافة إلى الضريبة على القيمة المضافة)60% منه. الثاني هو أنّ سعر النفط في منتصف كانون الثاني الماضي كان 45 دولاراً وارتفع أخيراً إلى حوالى 70 دولاراً.
وبالتالي، فإنّ السعر العالمي للنفط يكون قد نما بنسبة 55% منذ بداية العام الجاري، فيما ارتفع سعر صفيحة البنزين في لبنان بنسبة 35%. وعلى هذا الأساس يمكن بناء نموذج نظري يهدف منه توقّع أسعار البنزين في المستقبل بناءً على توقّعات سعر النفط الخام عالمياً.

توقّعات سلبيّة!

وفقاً لاستطلاع للرأي أجرته وكالة «Reuters» أخيراً، شمل 30 محلّلاً، سيبلغ معدّل سعر برميل النفط في عام 2010، حوالى 73 دولاراً. ما يعنيّ أنّ الارتفاع مقارنة مع السعر الحالي سيكون بحدود 4.2%. وهذا الأمر سيرتّب ارتفاعاً في سعر صفيحة البنزين في لبنان بنسبة 2.6% أي بحوالى 800 ليرة، ليصبح 31300 ليرة (على اعتبار أنّ السعر حالياً هو 30500 ليرة).
ويلفت المحلّلون أنفسهم إلى أنّ معدّل السعر في الربع الأخير من العام الجاري سيبلغ 68.22 دولاراً للبرميل، ما يعني أنّ سعر صفيحة البنزين في لبنان سيبقى ثابتاً نسبياً على اعتبار أنّ الطلب لن يتغيّر كثيراً في فصل الشتاء، حين يتأثّر سعر المازوت تأثراً كبيراً.
أمّا التوقّعات الأبعد فيمكن رصدها في ورقة بحثيّة نشرها مصرف «Morgan Stanley» أخيراً. وهي تقول إنّ سعر برميل النفط سيبلغ 105 دولارات في عام 2012، أي سيرتفع بنسبة 50%. وهذا الارتفاع سيرتّب نموّاً في سعر صفيحة البنزين بنسبة 32% تقريباً، أي أنّ سعرها سيبلغ 40250 ليرة.
وقد تبدو توقّعات المصرف الأميركي محافظة مقارنة بترجيحات الانتعاش الأخرى. فمصرف «Goldman Sachs» يتوقّع أن «يشهد عام 2009 ارتفاعاً حاداً في الأسعار (النفط والمواد الأوليّة عموماً) يوازي النمط الذي سُجّل في عام 2008».
وبما أنّ سعر برميل النفط كان قد نما من 100 دولار في بداية 2008 إلى حوالى 150 دولاراً في منتصف العام نفسه، فإنّ نسبة نموّه تكون 50%. وإذا أُسقطت هذه المعادلة على العام المقبل فسيرتفع السعر من 70 دولاراً إلى 105 دولارات، ما يعني أنّ السوق اللبنانيّة قد تشهد سعر 40250 ليرة للصفيحة في العام المقبل، أي أبكر بعامين من توقّعات «Morgan Stanley».
وتتّسم هذه التوقّعات بواقعيّة في ظلّ ازدياد الحديث عن عودة نشاط الاقتصاد العالمي. فرئيس صندوق النقد الدولي دومينيك شتراوس ــ كان، تحدّث أخيراً عن «تشغيل محرّك النموّ»، ما يعني أنّ الطلب على النفط متّجه إلى الارتفاع، ويبدو أنّه في لبنان سيحطّم المعايير مرّة جديدة على صعيد سعر البنزين... وللمازوت قضيّة أخرى.


218%

هي نسبة ارتفاع سعر برميل النفط الخام مقارنة بالمستوى المسجّل في عام 1990، فحينها كان السعر 22 دولاراً فقط، بينما الآن هو بحدود 70 دولاراً

54%

هي حصّة إنتاج الدول المصدّرة للنفط، «أوبك» من الإنتاج العالمي في عام 2020 بحسب توقّعات قدّمتها شركة النفط الفرنسيّة «TOTAL» أخيراً



الانعزال عن العالم