خاص بالموقععلي حيدر
في سابقة لإسرائيلي رفيع المستوى، وقع رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو في فخ الرئيس الإيراني محمود أحمدي نجاد، حين أبرز في خطابه أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة، وثائق تُثبت وقوع المحرقة نجح الرئيس الإيراني محمود أحمدي نجاد في استدراج رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، إلى عدم التعامل مع «المحرقة» اليهودية التي سبّبها النازيون خلال الحرب العالمية الثانية، كما لو أنها «مسلّمة»، حين لجأ الأخير إلى الرد على الرئيس الإيراني عبر استعراض وثائق حاول من خلالها إثبات حدوث المحرقة.

وتعرّض نتنياهو لانتقادات شديدة من جانب الصحافة الإسرائيلية لوقوعه في «فخ» نجاد من خلال تشكيكه في المحرقة. وكتب المحلّل السياسي في صحيفة «هآرتس» ألوف بن أنه «بمجرد أن يستعرض رئيس حكومة إسرائيل أدلّة على وقوع المحرقة، يعني أن ثمة مشكلة»، مضيفاً إن «وصول النقاش حول المحرقة إلى الأمم المتحدة بعد 64 عاماً من انتهاء الحرب العالمية الثانية، يدل على أن نجاد نجح في زرع الشك، وهذا أمر مقلق للغاية».

من جهته، اتهم الصحافي في «هآرتس» أيضاً جدعون ليفي، نتنياهو، «بالتقليل من شأن المحرقة حين لوّح بإثباتات على حقيقة وقوعها، وكأن ثمة حاجة إلى ذلك»، لافتاً إلى أنه «لم يسبق قطّ أن وقف مسؤول إسرائيلي بهذا المستوى، وهو يلوّح بخرائط أوشفتس وبروتوكولات فانزا»، تلك التي حصل عليها أخيراً في ألمانيا ليقدّم أدلة إلى العالم على حدوث المحرقة اليهودية. وأكد أن بيبي بعمله هذا «نزل إلى الساحة الحقيرة للرئيس الإيراني»، محذراً من أنه «إذا كان ثمة حاجة إلى أدلة بعد ستين عاماً، فقد يفكر العالم: لعل منكر المحرقة على حق».

كما انتقد ليفي محاولة نتنياهو تبرئة الجيش الإسرائيلي من ارتكاب المجازر في قطاع غزة التي ذهب ضحيتها نحو 1400 شهيد، غالبيتهم من المدنيين، لكونه قد طلب من السكان الهروب من منازلهم عبر المناشير والمحادثات الهاتفية، وتساءل «إلى أين كان عليهم أن يهربوا، سيدي رئيس الحكومة، إلى البحر؟». وشكك في صحّة ادّعاء بيبي أن «أي زعيم عربي أراد صنع سلام معنا، وقّعنا سلاماً معه»، قائلاً «ماذا عن بشار الأسد، الذي يطرق الأبواب منذ سنوات ويدّعي أنه يريد السلام ولا أحد يفتح له الباب؟».

ووصف ليفي كلام نتنياهو بأنه «إهانة للذكاء»، مضيفاً إنه من الصعب على «زعيم دولة إقليمية عظمى لا يكاد يكون هناك سلاح في العالم لا يوجد في ترسانتها، تقاتل ضد منظمات بدائية هزيلة الوسائل، الحديث بجدية عن الأمن، ولا سيما حين يكون الأمن للإسرائيليّين دائماً، ولهم فقط».

أمّا المؤرخ الإسرائيلي توم سيغف، فرأى أنه «بعد محاولة نتنياهو إثبات حدوث المحرقة في الأمم المتحدة، فإن منكريها سيسارعون إلى الإثبات بأن وثائق فانزا (التي لوّح بها نتنياهو) والمخطّطات لإقامة (معسكر الإبادة النازي) أوشفتس بحد ذاتها لا تثبت شيئاً، وهم محقّون في ذلك».

في «هآرتس» أيضاً، انتقد الصحافي توم سيغف محاولة نتنياهو تشبيه الغارات التي شُنّت على قطاع غزة خلال العدوان الأخير، بالغارات التي شنتها أميركا وبريطانيا على المدن الألمانية خلال الحرب العالمية الثانية، قائلاً «بوجود عدد من التقارير عن الغارات الإسرائيلية، تدّل على أن ادعاءات إسرائيل القيام بما فيه الكفاية لمنع المسّ بالمواطنين، غير صحيحة»، معتبراً أنه «من هذه الناحية أيضاً، ثمة مكان للمساواة بين إسرائيل وبريطانيا».

وأضاف سيغف إنه «مع مرور السنين، اتضح أنه جرى قصف العديد من المدن الألمانية من أجل كسر تأييد السكان لهتلر، ودُمّرت وسُوّيت بالأرض أحياناً من منطلقات الانتقام الحربي». ولفت إلى أن رئيس الوزراء البريطاني إبان الحرب العالمية الثانية ونستون تشرتشل، الذي أكثر نتنياهو من ذكره في خطابه، لم يتعرّض للمحاكمة كمجرم حرب. والسبب الأساسي هو أن بريطانيا انتصرت وألمانيا هُزمت. لكن مع مرور السنين، تصاعدت الأصوات المندّدة بقصف المدن الألمانية، ووصفتها بأنها كانت جرائم حرب وحتى جرائم ضد الإنسانية، وبحق».

وإلى صحيفة «يديعوت أحرونوت»، أكد كبير المعلّقين السياسيين فيها ناحوم برنياع، أن «نتنياهو لا يعتقد حقاً بأن التهديد الذي تمثّله إيران على إسرائيل مماثل للتهديد الذي مثّله هتلر على اليهود في أوروبا. لكن في أميركا، الكارثة تنجح. وانتقاد الأمم المتحدة ينجح. الأميركيون يمقتون الأمم المتحدة وهم يعرفون لماذا».

وقسم برنياع خطاب نتنياهو إلى أربعة أجزاء متداخلة. شغل فيه أحمدي نجاد كمنكر للمحرقة اليهودية الجزء الأول منه، فيما جرى تناول إيران كدولة أصولية تسعى إلى الحصول على سلاح دمار شامل في الجزء الثاني. الجزء الثالث كان من نصيب تقرير غولدستون الذي هاجمه نتنياهو بشدة، بينما تناول بيبي في الجزء الرابع من خطابه، «استعداده للسلام مع الفلسطينيين وفق صيغة خطابه في بار ـــــ ايلان».

ورأى برنياع أنه «جرى وضع الأمم المتحدة في قفص الاتهام في الأجزاء الثلاثة الأولى: هي مذنبة لتقديمها الاحترام إلى منكر المحرقة، ومذنبة لانعدام الوسيلة في مواجهة إيران النووية، ومذنبة في تقرير غولدستون، وعدم تنديدها بهجمات حماس من غزّة».