خاص بالموقعواشنطن ـ محمد سعيد
أعرب الزعيم الليبي معمر القذافي عن أمله في بناء عهد جديد من العلاقات مع الرئيس الأميركي باراك أوباما، الذي كان قد وصفه بقوله «ولدنا» في خطابه الذي ألقاه أمام الدورة الرابعة والستين للجمعية العامة للأمم المتحدة، يوم الأربعاء، وقال في مقابلة مع صحيفة وول ستريت جورنال يوم الخميس، ونشرتها يوم الجمعة، إنه يريد أن يكون الصراع الذي استمر عقوداً بين ليبيا والولايات المتحدة جزءاً من الماضي.

ووصف القذافي العلاقات الليبية ـــــ الأميركية بأنها «جيدة»، مضيفاً «نحن نتعاون في مكافحة الإرهاب. هناك من يريد التخلص من هذه المشكلة بطريقة ما. ويقول البعض لنصل إلى حل حتى لو أدى ذلك إلى كارثة غداً، إنهم غير معنيين. أنا أفكر في حل طويل المدى ودائم».

وقال القذافي إنه قادر على «تفهّم» مشاعر الغضب الموجّهة ضده من جانب الأميركيين الذين فقدوا أقرباء لهم في حادث تفجير لوكربي، نافياً أن تكون ليبيا قد أثارت قصداً المشاعر الوطنية التي أحاطت بعودة المواطن الليبي عبد الباسط المقرحي إلى بلاده.

وأضاف موضحاً «إن الموقف الرسمي ـــــ بخصوص المقرحي ـــــ فإن ليبيا كدولة، لم تستقبله بحرس الشرف أو بـ21 طلقة مدفع. ولكنّ الشعب الليبي وعائلته وقبيلته كانوا سعداء وفرحين لإطلاق سراحه، وهم أحرار في التعبير عن مشاعرهم، ونحن لا نقدر على منعهم من التعبير عن مشاعر السعادة، أو أن يحتفلوا بإطلاق سراحه من السجن».

وقال الزعيم الليبي إن إطلاق سراح المقرحي جرى عبر القنوات القانونية، لكنه أضاف إن الشركات البريطانية استفادت في الماضي من غياب الشركات الأميركية عن ليبيا حتى عام 2004. مضيفاً « إن بريطانيا، رغم ما يبدو من أنها حليفة للولايات المتحدة، وهي حليفة لها، فقد أبقت على شركاتها تعمل في ليبيا، واستمرت في العمل عندما خرجت الشركات الأميركية من السوق الليبية. أما الآن، فهناك العديد من الشركات الأميركية تعمل في ليبيا. لقد التقيت عدداً من رجال الأعمال الأميركيين، وطلبوا أن نمنحهم فرصة للعمل في ليبيا، وقلت لهم إنني لا أرى مشكلة في ذلك، سيرحّب بهم للعمل في ليبيا».

وقال القذافي إنه “يعتقد أن إطلاق سراح المقرحي، ومليارات الدولارات التي دفعتها ليبيا لعائلات الضحايا يمكن أن يدفعا الآن العلاقات الليبية ـــــ الأميركية كي تسير قدماً. وفي حالة مثل قضية لوكربي: يمكنني القول إنها وصلت إلى نهايتها، لقد انتهت القضية قانونياً، سياسياً ومالياً، انتهت تماماً، وهذه حقيقة. إنّني أتفهّم ما يقومون به (المتظاهرون في الولايات المتحدة)”. وأضاف «نشكر الله أن هذه المشكلة قد حُلّت برضى جميع الأطراف. إننا جميعاً نشعر بالألم لتلك المأساة». وقال القذافي «لم أشاهد شيئاً في نيويورك نظراً إلى خطوات الأمن المشدّدة، إنها مشدّدة جداً».

وأضاف الزعيم الليبي إنه ما زال يعتقد أن الرئيس باراك أوباما سيتراجع عن السير في اتخاذ خطوات عسكرية في الشرق الأوسط وأفريقيا، وسيؤدّي دوراً أكثر جديّة في حل عملية السلام العربية ـــــ الإسرائيلية. وقال إن أوباما يبدو ملتزماً بالقيام بجهود للتعامل مع الفقر، والأوبئة التي تعانيها أفريقيا.

وأضاف «إنني متفائل، وفي حقيقة الأمر، فإن العالم كله متقائل بأوباما، وقد عبّر عن نوايا حسنة تجاه العالم، وتجاه الشرق الأوسط وتجاه أفريقيا. في الماضي كانت الولايات المتحدة تعامل أفريقيا بقسوة وخشونة. لقد تحدثوا عن القيادة الأفريقية. كانت هذه تسمية سيئة، وعندما تسلّم أوباما الحكم، أزاح مصدر القلق هذا، الذي كان يقلق الأفريقيين، وبطريقة أو بأخرى وُضعت تلك الخشونة جانباً”.

وقال «كانت الولايات المتحدة، طوال فترة معيّنة تلوّح بالتدخل العسكري في خليج غينيا بسبب النفط»، وأضاف «أريد هنا أن أعبّر عن ارتياحي للشعب الأميركي، الذي اختار أوباما رئيساً. لأن أوباما يبدو أكثر اهتماماً أو ذكاءً من رؤساء سابقين. إنه يريد مساعدة الولايات المتحدة على أن لا تدخل في حروب أو نزاعات مع العالم. وربما كان هناك فرصة لأن يستمر في الحكم أكثر من ثماني سنوات”.

وذكرت الصحيفة أن الزعيم الليبي ما زال متمسكاً بفكرة أن الطريق الوحيد للوصول إلى حل وسط للصراع العربي الإسرائيلي يتمثّل في أن تسمح إسرائيل بعودة ملايين الفلسطينيّين، الذين خرجوا من بلادهم التي هي الآن جزء ممّا يسمّى إسرائيل. وقال «هناك من يريدون التخلّص من هذه المشكلة بأية طريقة، ويقول بعضهم إن علينا الوصول إلى حل حتى لو أدى إلى كارثة غداً، إنهم لا يهتمّون بما يجري».

وفي ما يتعلق بالأسلحة النووية وانتشارها قال القذّافي «نحن نتعاون أيضاً في موضوع منع انتشار الأسلحة الذرية، وكما تعلم، فإن ليبيا اتخذت المبادرة في التخلّص من برنامج أسلحة الدمار الشامل، ورغم أن ليبيا لم تتلقَّ شيئاً لقاء هذه المبادرة. لذلك، فإن بلداناً أخرى لم تتشجّع على أن تحذو حذو المثال الليبي. إنهم يقولون لنا: ما الذي كسبتموه من التخلي عن برنامجكم؟ لم يقدّموا إليكم شيئاً؟».

وعن أوروبا قال «لقد كانت علاقاتنا بأوروبا دوماً علاقات جيدة. ولم تنقطع علاقاتنا الدبلوماسية سوى مع بريطانيا بشأن لوكربي. ورغم ذلك، فقد كانت التعاملات المالية بين ليبيا وبريطانيا تعاملات ممتازة”.

وفي ما يتعلق بالنفط قال القذافي «إن ليبيا بحاجة إلى التقنية من دول العالم المتقدم، إذا كانت تريد تطوير نفسها فيجب أن تتعاون مع دول العالم المتقدم، وإن ليبيا تتّبع هذه السياسة في هذا المجال. وفي حقيقة الأمر، فإن ليبيا لم تخسر شيئاً، لقد كانت الشركات هي التي خسرت. الشركات الأميركية التي خرجت من ليبيا في ذلك الوقت، كانت هي الخاسرة. لقد خسرت الأسواق الليبية، وحلّت محلها الشركات البريطانية والصينية والأوروبية».

وفي حوار مع قناة الجزيرة باللغة الإنكليزية تبثّه يوم السبت قال القذافي إن التوجّهات والأفكار التي تدور حالياً حول حل الصراع العربي ـــــ الإسرائيلي الذي مضى عليه 60 عاماً، وإقامة دولة فلسطينية لن تأتي بنتائج إيجابية. وأضاف «لا يمكن قيام دولتين في تلك الرقعة من الأرض».

وقال «إن الجميع يدعو إلى حل الدولتين للصراع العربي الإسرائيلي، ولكنهم لا يدركون ديموغرافية المنطقة. إن إسرائيل ستنحسر إلى عمق بـ 14 كلم، وهي لن تقبل ذلك. لذا ليس هناك مجال لتينك الدولتين، لأنهما متكاملتان الآن. هناك مليونان من الفلسطينيين يعيشون في إسرائيل، وغزّة معزولة... ممزّقة ومعزولة. وعلى إسرائيل أن تتخلّى عن أسلحتها الذرية ـــــ إن الدول الإسلامية لن تعترف بإسرائيل ما دامت تملك الأسلحة الذرية.»

وقال «لا أعتقد أن باراك أوباما يعي هذه المشكلة حقاً»، مضيفاً إن أوباما «كان أحد أعضاء مجلس الشيوخ، وكان مهتماً بأمور الولاية التي يمثّلها والشعب الأميركي أيضاً. لذا لم يتوصّل إلى فهم عميق وكافٍ للمشكلة، وقد يصل إلى ذلك في المستقبل».

وعمّا إذا كانت طرابلس ولندن قد توصّلتا إلى نوع من الاتفاق بخصوص تفجير لوكربي، قال إنه لم يكن هناك صفقات بين الحكومتين لإطلاق سراح المقرحي. وأضاف إنه يجب إغلاق هذه القضية الآن. «لقد انتهت قضية لوكربي، لا يمكن بحث القضية أو استئنافها أو أي شيء من هذا القبيل”.

وعن قرار وزير العدل الاسكتلنديّ الشهر الماضي بإطلاق سراح المقرحي لأسباب إنسانية، قال القذافي «كان لعبد الباسط المقرحي، على المستوى الشخصي، الحق في استئناف القضية، ولكن نظراً إلى حالته الصحية فقد أُطلق سراحه، ولم يكن هناك حاجة إلى استئناف أي شيء».

وجدّد القذافي في المقابلة انتقاده اللاذع لمجلس الأمن الدولي وقال « إن مجلس الأمن الدولي غير شرعي، وغير ديموقراطي، ولن نذهب إليه ونمنحه الاعتراف»، وأضاف «إنني أطلب من دول العالم أن لا تقبل هذا الوضع، لقد ثارت عدة حروب ولم تتوقف، إن مجلس الأمن أداة في يد الدول الكبرى، وهي تستخدمه لتحقيق مصالحها الخاصة». وقال إن لدى الجماهيرية ممثلاً في الدورة الخاصة لمجلس الأمن الدولي، الذي ليبيا أحد أعضائه، وذلك لأن ليبيا تأخذ دورها في عضوية المجلس الآن. وقال إنه حضر إلى الولايات المتحد لسبب وحيد هو أنه الرئيس الحالي للاتحاد الأفريقي.

ورغم تلك الانتقادات، قال القذافي إنه لا يرى «عقبات» في طريق تحسين العلاقات مع الولايات المتحدة أثناء حكم أوباما، وأضاف إن العلاقات مع الولايات المتحدة وبريطانيا علاقات جيدة.

وعندما سئل عما إذا تعب من الحكم بعد أربعين عاماً، قال إنه سلّم السلطة إلى الشعب الليبي.