قدّم رئيس شعبة التخطيط في جيش الاحتلال الإسرائيلي أمس جردة مختصرة لواقع التهديدات الذي يحيط بإسرائيل، خلاصتها الرهان على ردع الأعداء، مع الإقرار بعدم القدرة على هزيمتهم
محمد بدير
يرى رئيس شعبة التخطيط في جيش الاحتلال الإسرائيلي، الجنرال أمير إيشل، أن الجيش الإسرائيلي تحسّن كثيراً منذ حرب لبنان الثانية، لكن في المقابل تنامت قوة أعدائه. ويعرب الضابط المسؤول عن تحليل التهديدات المتأتية من إيران وحزب الله و«حماس»، في مقابلة مع صحيفة «هآرتس»، عن أنه «لا يمكن الانتصار على العدو، لكن يمكن الإضرار بمحور الشر الإقليمي وردع إيران». وعلى وقع صدمة حرب تموز، يشير إيشل إلى حجم التدريبات التي يخضع لها جيش الاحتلال، وخصوصاً القوات البرية، ويراها «مثيرة للانطباع وفقاً لأي معيار من المعايير». ويلخّص وضع الجيش الإسرائيلي بالقول: «إن الجيش بعد 2006 بنى نفسه من جديد».
لكن رغم تفاخره بـ«التحسن الدراماتيكي في أهلية الجيش ولياقته»، يقرّ إيشل بازدياد حدة التهديد العسكري على إسرائيل في كل الجبهات، ويشدد على عدم وجود «اختراع مفهومي» لمعالجة كل الأوضاع، وخصوصاً أن «طابع الحروب قد تغير: فلم يعد هناك عدو يرفع العلم الأبيض فوق التلة ويستسلم، ويجب عموماً أن نفحص مسألة الحسم، فحرب الأيام الستة كانت انتصاراً لا لبس فيه، لكن بعد كمّ من الوقت بدأوا بإطلاق النار مجدداً، وهذا كان عدواً محطماً».
وإيشل كان قائداً لأركان سلاح الجو الإسرائيلي خلال عدوان تموز والهجوم السوري على دير الزور في سوريا. وهو من أبرز المرشحين لقيادة سلاح الجو بعد انتهاء الولاية الحالية لهيئة الأركان بعد عامين ونصف عام.
ويعترف الجنرال الإسرائيلي بأنه لا «ضربة قاضية» ضد الأعداء الذين «يقرون بتفوقنا في مجالات معينة ويعملون بجهد لاختزال هذه المزايا. فهم يستخدمون وسائل لا نملك الردود عليها جميعاً بالمستوى الذي نريده: الصواريخ والقذائف الصاروخية».
وفي مراجعة لـ«حرب لبنان الثانية»، يرى إيشل أن الخطأ الإسرائيلي الأكبر خلالها يكمن تحديداً في تفويت فرصة القيام بإجراءات أكثر حسماً وسرعة. ويوضح قائلاً: «كان يمكن تحقيق إنجاز أكبر. هذا هو الانكسار الكبير: لم نفهم القوة التي كانت في حوزتنا وسارعنا في وقت مبكر جداً إلى نعي النتائج. إلا أن ذلك لا يعفينا من الأخطاء التي ارتكبناها». وفي ما يتعلق بالوضع على الجبهة الشمالية في الوقت الحالي، يراهن إيشل على الردع ويقول: «لا أذكر منذ متى كان لدينا ردع كما يوجد لدينا الآن في الشمال حيال حزب الله، رغم أن هذا لا يعني أنه لن ينفجر شيء أمامنا على الحدود غداً صباحاً». والوضع نفسه ينطبق على جبهة قطاع غزة في مواجهة حركة «حماس»، حسبما يرى إيشل، الذي يخلص إلى أنه «لا يمكن القضاء على منظمة إرهابية مزروعة عميقاً في قلب المناطق السكنية، لكن بالإمكان توجيه ضربات لها وردعها، وأنا أنطلق من فرضية أن تسلح (حزب الله وحماس) بالقذائف الصاروخية والصواريخ سيستمر ويتطور، كذلك فإن مدى الصواريخ سيطول».

سوريا حالياً ترقص في قاعتي أعراس ولا تدفع ثمن شيء. هي تلعب لعبة ثنائية ساخرة

وإذ يشير الضابط الإسرائيلي إلى أن «إسرائيل اليوم أكثر وعياً من السابق للعلاقات المعقدة بين الجبهات المختلفة التي تعمل فيها»، يعرب عن اعتقاده في المقابل أن «ضغط زر دخول ENTER في إيران يعني فوراً أن حزب الله سيفعل ما يقولونه له».
ويختم الجنرال الإسرائيلي رؤيته لاستراتيجة «محور التطرف في المنطقة، بزعامة إيران»، بالقول إن هذا المحور يسعى إلى الحصول على قوة نووية «وقد بنى لنفسه كل القدرات: أعدّ عامل ارتباط في الشمال (حزب الله) ليوم الأمر، قاعدة لوجستية (سوريا وشبكات تهريب الأسلحة)، قوة مهمتها استنزافنا في الجنوب (حماس)». ويضيف: «ثمة منطق في الأسلوب، وهناك توزيع للوظائف، كلٌّ له وظيفته في المحور».
ورأى إيشل أن خروج سوريا من هذا المحور نتيجةً لمفاوضات سلام مع إسرائيل، لن يقوضه «لكنه سيؤثر دراماتيكياً على قدراته ويهز منظومته التي سيكون عليها أن تسأل نفسها: إذا حصلت مواجهة بعد إبرام سلام سوري إسرائيلي، فما الذي سيجري في اليوم التالي، من دون قاعدة لوجستية؟ هل من المجدي قيام مواجهة مع إسرائيل لا نعلم ما الذي سيحصل بعدها؟».
وعن إمكان إخراج سوريا من هذا المحور، قال إيشل: «من يدري بالذي يدور بين أُذُني الرئيس بشار الأسد؟ فسوريا حالياً ترقص في قاعتي أعراس ولا تدفع ثمن شيء. هي تلعب لعبة ثنائية ساخرة. تواصل نشاطها المضر في العراق ولبنان، وهي على ارتباط وثيق بحزب الله، ومن جهة أخرى يلتقي الأسد بكارلا بروني (زوجة الرئيس الفرنسي) بعد عزلة طويلة. هو لا يدفع ثمناً». وعن كيفية مواجهة هذا الأمر، رأى الجنرال الإسرائيلي أن «هناك مسألة استراتيجية، منطق بسيط يقول: وضع سوريا في معضلة توجب الحسم بين هذا الاتجاه أو ذاك. وهذه مسألة ملقاة على عاتق المجتمع الدولي الذي عليه أن يقترح على السوريين إمكان الانتقال إلى الجانب الآخر. فالسوريون قلقون من المشاكل الاقتصادية الصعبة، والأمر يتعدى مسألة مستقبل هضبة الجولان. وإسرائيل وحدها لا تملك روافع كهذه».