70% من المدارس الخاصة تمارس هذه التجارة سعياً وراء الربحمحمد وهبة
تحوّل الكتاب المدرسي إلى سلعة تجارية تخضع للاحتكار أحياناً، بعيداً عن أي مفهوم للمعرفة والتعليم، وباتت 70 في المئة من المدارس الخاصة في لبنان تتاجر بهذه السلعة سعياً وراء الربح. أما بعض دور النشر، فانغمست في لعبة التسويق لتحسين نسبة مبيعاتها.

آليات البيع والتسعير

هناك ثلاثة أنواع من الكتب المدرسية التي تباع في لبنان؛ منها ما يُطبع في دور النشر المحليّة (الكتاب اللبناني الرسمي، والكتاب اللبناني الخاص) ويكون من تأليف محلّي توافق عليه الجهات التربوية المعنية وفقاً للمناهج التربوية المعتمدة، ومنها ما يُستورد من الخارج (الكتاب المستورد).
قلّة تحتكر مبيعات بعض الكتب بسعر معيّن بعد الاتفاق مع المدرسة
تسعّر وزارة التربية الكتب الرسمية التي تُبَاع للتلاميذ المسجّلين في المدارس الرسمية بسعر معروف ومتّفق عليه مع كل الذين يتعاطون عملية البيع من دور النشر إلى المكتبات، لكن هناك حالات تؤدي إلى إيجاد احتكار تعطيه الدولة لدار نشر معينة عبر تلزيمها وحدها طبع الكتاب وتوزيعه، لكنّ نسبة الربح لكل طرف تبقى واضحة ومتفقاً عليها. أما تسعير الكتاب اللبناني الخاص، فيحصل عبر التوافق بين نقابة الناشرين المدرسيين ووزارة الاقتصاد، وهذه الآلية المتّبعة في التسعير لا تؤدّي إلى اختلالات كبيرة، لأن دور النشر الأخرى ستكون متضررة من بيع الكتاب بسعر مختلف عن اللائحة المتفق عليها... لكنّ ذلك لا يعني عدم وجود حالات شاذة، إذ تقول مصادر في وزارة الاقتصاد أنها ضبطت كمية كبيرة من الكتب المدرسية التي حاولت دار نشر معروفة بيعها من دون إيرادها على لائحة الأسعار... كذلك فإن مراقبي وزارة الاقتصاد، بحسب هذه المصادر، غير مسموح لهم بالدخول إلى حرم أي مدرسة لمراقبة مدى الالتزام بالتسعيرة المتوافق عليها بين دار النشر ونقابة الناشرين المدرسيين بإشراف الوزارة. لذلك، يُعمل حالياً على صيغة تسمح بدخول مراقبي مديرية حماية المستهلك بمرافقة موظفي وزارة التربية، لتنظيم محاضر بالأسعار والمبيعات.

اتفاقات وعمولات

الحال مختلفة تماماً في مجال الاتجار بالكتب المستوردة، ولا سيما التي تعلّم في الإرساليات الأجنبية والمدارس الخاصة غير المجانية، إذ يقول عاملون في دور نشر إن حرية اختيار الكتب التي ستُدرّس في هذه المدارس أثارت الاهتمام التجاري، فبدأت بعض دور النشر المعروفة بعقد اتفاقات مع المدارس ليُستورد كتاب معين (رياضيات، علوم، لغة أجنبية، كيمياء...) على أن يكون لمدير المدرسة أو مالكها أو لأستاذ المادة فيها حصّة من المبيعات، إذا باعه في المدرسة مباشرة، تتراوح ما بين 40 في المئة و50 في المئة، تبعاً لعدد التلاميذ. ويتناقل عاملو دور النشر قصصاً تجري أمام عيونهم، عن مدير مدرسة حصل على رحلة إلى بانكوك، وآخر أهديَ سيارة مرسيدس، فيما حصل بعض الأساتذة على عمولة لقاء تسويق كتاب لمادة معينة في أكثر من مدرسة، أي لعدد أكبر من التلاميذ... لكنّ بعض المدارس كانت تتعامل مع الأمر بطريقة مختلفة، إذ اتفقت مع بعض أصحاب دور النشر الذين يملكون مكتبات كبيرة على استيراد هذه الكتب وبيعها لديهم بأسعار باهظة وبعمولة للمكتبة متّفق عليها مسبقاً، فيُطلب إلى أهل التلميذ التوجّه إلى هذه المكتبة أو تلك للحصول على الكتب، وفي بعض الحالات رفضت المدارس الكتب التي اشتراها الأهل من مكتبات أخرى، مبرّرة الأمر بوجود بعض الفوارق في المضمون!

نتائج الاحتكار

هذا الواقع كان له أثر سلبي في أكثر من موضع، فقد أدّى في جانب منه إلى إلغاء 42 مكتبة متوسطة وصغيرة، إذ لم يعد هناك أيّ حاجة إليها في ظل احتكار «دور النشر ـــــ المدارس»، وهذا ما يصفه نقيب أصحاب المكتبات الخاصة في لبنان أمين فرح بأنه «منافسة غير مشروعة»، لأن مبيع الكتاب يصبح في المدرسة مباشرة للأهل، وإلى جانبه القرطاسية والمريول وغيرهما من اللوازم... ما يعني الاستغناء فعلياً عن المكتبة، وعدم قدرتها على المنافسة في أداء دور الوسيط بين الناشر والمستهلك بنسبة ربح تصل إلى 20%، لكن وجود منفعة مباشرة لدور النشر في المبيعات المسبقة رفع حصّة المدرسة أو الأستاذ إلى 50%، ورفعت الأسعار للمستهلك أيضاً، إذ يباع كتاب اللغة الأجنبية في مدارس خاصة في الضاحية بحوالى 120 ألف ليرة!
وبالتالي، فإن قدرة المدرسة على استغلال الأسر التي تريد تعليم أبنائها في مدارس تعتمد على الكتب المستوردة تصبح مرتفعة (ومعظمها مدارس الإرساليات الأجنبية)، إذ غالباً ما تقوم بفرض الأمر على لجان الأهل في المدرسة، من دون أن يدري أيّ منهم أنه يمكن شراء الكتب بأسعار أقل. وتقدّم إدارة المدرسة تفسيرات تتذرّع بأن لجنة الأهل موافقة على هذه الكتب بهذه الأسعار، ما يستشف منه، بحسب المسؤول، أن معظم أعضاء لجنة الأهل دخلوا في اللعبة، أو حصلوا على حسم، أو أنهم لا يعرفون حقوقهم وقدرتهم على فرض أسعار مناسبة، مشيراً إلى أن معظم الذين يسجّلون أولادهم في هذه المدارس هم مقتدرون لا يسعون إلى خفض كلفة تعليم أبنائهم.
وفي جانب آخر لهذا الواقع، يعكس هذا النوع من المبيعات وجود تركّز في القطاع، أي قلّة تحتكر مبيعات بعض الكتب بسعر معيّن بعد الاتفاق المسبق مع المدرسة، التي تفرض بدورها على الأهل شراء المنتج. فإذا كان الاتفاق بين المدرسة ودار نشر لديها مكتبة، تتركّز المبيعات لدى هذه المكتبة، ويسهم الأمر في زيادة حجمها على حساب أخريات. وإذا كان الاتفاق بين دار النشر والمدرسة على المبيع في حرمها، يؤدي الأمر إلى إلغاء المكتبات الصغيرة والمتوسطة... وفي كلتا الحالتين يدفع المستهلك ثمناً باهظاً للكتاب. ولا ينفي رئيس نقابة الناشرين المدرسيين، إلياس سعد، وجود «احتكارات»، إذ إن بعض المدارس تفرض على دور النشر استيراد كتاب معيّن وبيعه بعمولة لها... آسفاً لأن يكون هناك «كارتيل» بين دور النشر، واتفاقيات على حساب التلاميذ.
هذه الصورة لا تكتمل من دون توضيح على لسان أحد العاملين في دور النشر، إذ يشير إلى أن «التزام الدار مع عدد من المدارس يوفّر لها ربحاً كافياً على مدار السنة».


908201 تلميذ

هو عدد التلاميذ المسجلين في مدارس لبنان في عام 2008، وهم يتوزعون على 2805 مدارس كالآتي: 301370 تلميذاً في 1385 مدرسة رسمية، 126391 تلميذاً في 374 مدرسة خاصة مجانية (الصفوف للابتدائي فقط)، و480440 تلميذاً في 1046 مدرسة خاصة غير مجانية


مبيع بأسعار بلاد المنشأ