هآرتس ــ الوف بنإسرائيل لا ترغب بحصول إيران على السلاح النووي. إسرائيل أيضاً لا ترغب بحرب مع إيران، قد تكون طويلة ومدمرة. ما الذي يمكنها أن تفعله؟ أمامها استراتيجيتان: استراتيجية هجومية، وأخرى إحباطية. الاستراتيجية الهجومية تدعو إلى تسليح طائرات سلاح الجو وقصف المنشآت النووية الإيرانية لتأخير تطوير القنبلة الإيرانية وعرقلته لبضع سنوات، على أمل أن تستطيل هذه الفترة الزمنية ويتوقف المشروع المهدِّد هذا. الاستراتيجية الهجومية تفترض أن «العالم» قد سلّم بوجود السلاح النووي الإيراني ولن يفعل ضده شيئاً بعيداً عن الكلمات الفارغة من المضمون. أنصار القصف ينظرون للرئيس أوباما كتشمبرلين الذي يحاول مصالحة هتلر الإيراني، ويعتقدون أن على إسرائيل أن تعتمد على نفسها فقط، وأن تتحرك وحدها، كما فعلت في عام 1981 تجاه المفاعل النووي العراقي، وفي 2007 تجاه المفاعل السوري، وفقاً للتقارير الأجنبية. القصف الناجح قد يعزز قدرتها الردعية ويعيد بناء صورتها دولةً عظمى عسكرياً في المنطقة.
ضعف الاستراتيجية الهجومية نابع من كونها متوقعة. وهي متوقعة جداً، حيث إن إيران بذلت جهوداً كبيرة لإحباطها. بعثرت المنشآت النووية وأحاطتها بوسائل الحماية والمناعة ونشرت حول إسرائيل عشرات آلاف الصواريخ الإيرانية القادرة على ضرب التجمعات السكانية والاقتصاد الإسرائيلي وتهديد قواعد سلاح الجو. كشف النقاب عن منشأة تخصيب اليورانيوم في قم جسّد الإشكالية التي ينطوي عليها الهجوم على إيران: ربما كانت هناك مواقع نووية أخرى لم تكتشف بعد وستستخدم دعماً للمنشآت التي ستُقصَف. ومن الذي سيجرؤ على مهاجمة المدينة المقدسة بالنسبة إلى الشيعة والمخاطرة بانفجار ثورة غضب دينية في المنطقة برمتها؟
الاستراتيجية الإحباطية تسعى إلى تجنب المجابهة المباشرة ذات النتائج المشكوك فيها والأضرار الملموسة. هذه الاستراتيجية تعمل لكسب الوقت مع عرقلة المشروع الإيراني، إلى أن تتحرك أميركا أو أن يضعف النظام في طهران. ميزة هذا النهج تكمن في كلفته المتدنية بالنسبة إلى الحرب، وقدرته على مكافحة إيران من دون تشويش الحياة الطبيعية في إسرائيل، باستثناء زيادة الميزانية العسكرية. لكن الإحباط وحده لا يستطيع منع إيران من الوصول إلى القنبلة، ونجاحه يعتمد على الأطراف الخارجية. الإصرار الأميركي والمعارضة الإيرانية للاستراتيجية الإحباطية لهما ثمن داخلي أيضاً. هما ترهقان الأعصاب. العمليات السرية تثير الانطباع بأن الحكومة لا تفعل شيئاً لإنقاذ إسرائيل من الخطر الفظيع الذي يتربص بها.
إسرائيل اختارت حتى الآن خيار الاستراتيجية الإحباطية السياسية. وأنصار هذا النهج يدّعون أنه قد نجح في تأخير الوصول إلى القنبلة الإيرانية لسنوات، بثمن سياسي وأمني متدنٍّ بالنسبة إلى إسرائيل. إلا أن جدوى هذا النهج آخذ بالتلاشي كلما اقتربت إيران من القنبلة. في ظل وضع كهذا، تحاول إسرائيل إظهار أن صبرها ينفد وإقناع الآخرين بأنه إذا لم يتحرك العالم فستخرج لشنّ حرب على إيران.
لتعزيز صدقية رسالة «أمسكوني»، بنت قوة هجومية، والاستعدادات العسكرية تنقل بصورة غير مسبوقة للصحافة الأجنبية. بناء القوة هامّ أيضاً للردع. لكن كلما بُنيت القوة ازداد إغراء استخدامها. كلما تعززت الثقة بالنفس، تصاعد الخطاب المستخدم وازداد الضغط الداخلي «للبرهنة لهم» أو كما يحب رئيس الوزراء القول «عدم الظهور بمظهر المغفلين» في مواجهة خطابات رئيس إيران السامة التي تجعل الدم يغلي في العروق. هذا هو التناقض الإيراني: بلورة الخيار الهجومي لا تزيد من حرية تحرك الحكومة، بل تحولها نحو المضيق وتدفع إسرائيل للتخلي عن الاستراتيجية الإحباطية وشل الهجوم.