h1>«IMF»: ليس هناك مثال واحد على قصّة نجاح للتحويلاتنمت تحويلات المغتربين اللبنانيّين الرسميّة بنسبة تفوق 202% بين عامي 1990 و2007، وبلغت قيمة تلك الأموال «الصعبة» 6 مليارات دولار في عام 2008. هل تحمل هذه التحويلات تأثيرات على نموّ اقتصادنا؟ لا، يجيب صندوق النقد الدولي. فهذه التأثيرات، إذا وُجدت، سيكون من الصعب جداً تلمّسها

حسن شقراني
إذا سُلِّم بأنّ الاقتصاد اللبناني هجين، ولا يمكن تقويمه وفقاً للمعايير التقنيّة التقليديّة (بسبب خصوصيّات كثيرة، منها «الهدر» و«المحاصصة» و«تبعات الحرب الأهليّة»)، فإنّ ذلك لا يعني أن هناك تفسيرات خاصّة بلبنان في شأن المؤشّرات التي تمثّل أسباب صمود هذا الاقتصاد حتى الآن، ولا سيما المؤشرات المتعلّقة بتحويلات اللبنانيين العاملين في الخارج، التي يزعم البعض أنها تسهم في تحفيز النموّ والتنمية.
صحيح أن تلك التحويلات التي تدفّقت على بلاد الأرز منذ بدء الهجرة اللبنانيّة في القرن السابع عشر تؤدي أدواراً أساسيّة على صعد كثيرة أبرزها:
1ـــــ مساعدة العائلات في «الوطن الأمّ» ونشلها من براثن الفقر أو حمايتها منها مؤقّتاً. 2ـــــ إنعاش العجلة الاستهلاكية نسبياً بوصف تلك الأموال «حقنة» من العملات الصعبة. 3ـــــ تمتين ودائع النظام المصرفي الذي يعدّ حيوياً لهذا النظام الهجين من حيث تمويل دين الدولة، وحديثاً إطلاق عمليّات الإقراض الزائد للتعاطي مع السيولة الزائدة.
لكن هل للتحويلات دور في تمتين النموّ الاقتصادي على اعتبار أنّ ما يرسله المغتربون في أوستراليا وأفريقيا والخليج العربي وأوروبا وأميركا يمثّل تحفيزاً لتوسّع الاقتصاد عبر زيادة الإنتاج لا تحفيز الاستهلاك فقط؟
منذ نهاية الحرب الأهليّة وبدء مرحلة «إعادة الإعمار المترافقة مع هجرة مكثّفة!» سجّلت التحويلات الرسميّة للمغتربين نموّاً كبيراً بلغت نسبته 202% (بين عامي 1990 و2007).
فقد تخطّت 2.2 مليار دولار في عام 1994، ثم دخلت في سبات نسبي بين 1995 و1999، حيث بلغ معدّلها سنوياً 1.24 مليار دولار. وبدءاً من عام 2000، تخطّت التحويلات حاجز ملياري دولار سنوياً، وبلغت في عام 2004 نحو 5.6 مليارات دولار.
التحويلات الرسميّة لا تمثّل التحويلات الإجماليّة، نظراً لكون كثير من أموال المغتربين تمرّ بقنوات لا تسجّل، ووفقاً لأبحاث «معهد سياسات الهجرة» (Migration Policy Institute) في عام 2005، تتوزّع التحويلات على مستوى العالم على الشكل الآتي: 50% إلى70% تحويلات غير رسميّة و 30% إلى50% تحويلات رسميّة، ما يعني أنّ حجم التحويلات غير الرسميّة أكبر. غير أنّ ذلك لا يلغي طبيعة النتائج التي يُتَوصّل إليها عبر دراسة أنماط التحويلات الرسميّة وآثارها، وهو ما قامت به ورقة عمل نشرها صندوق النقد الدولي في بداية الشهر الماضي، تحت عنوان «هل تحفّز تحويلات العمّال المغتربين النموّ الاقتصادي؟».
البحث اعتمد على مقاربة تأثير نموّ التحويلات على النموّ الاقتصادي الإجمالي، وخلص إلى أنّه ليس لتلك التحويلات أيّ تأثير على النموّ (على عكس الاعتقاد الشائع في لبنان)، ويقول البحث إنّ «عقوداً من التحويلات الرسميّة أسهمت إسهاماً ضعيفاً في نموّ الاقتصادات التي تتلقّاهها، وربما كانت قد أخّرت النموّ في بعض تلك الاقتصادات. وتشدّد على أنّه «حين تُقاس التحويلات بدقة، وعندما تكون معدلات النموّ محدّدة جيداً، لا نستطيع إيجاد تأثير إيجابي متين للتحويلات على النموّ الطويل المدى، وغالباً تُرصَد علاقة سلبيّة بين النموّ والتحويلات».
وتوصّلت الدراسة إلى هذه النتيجة عبر تفنيد حالات 84 بلداً خلال الفترة الممتدّة بين 1970 و2004. والسبب في تقدير الانعكاس السلبي للتحويلات على النموّ هو الطرح التقليدي الذي يفيد بأنّ التحويلات تدفع إلى تراجع وتيرة أخذ المبادرة وإطلاق المشاريع.
وفي هذا السياق تجدر الإشارة إلى أنّ التحويلات تُعدّ حقنة من الأموال الخارجيّة مثل الاستثمارات الأجنبيّة المباشرة، وهي رساميل تجوب البلاد بحثاً عن فرص للاستثمار. لكن نتيجة التحويلات هي رفع الاستهلاك أو الإنفاق غير الرأسمالي. وفي لبنان مثّلت التحويلات أكثر من 200 في المئة من الاستثمارات الأجنبيّة المباشرة في عام 2007، ما يُظهر مستوى أهميّتها ومحوريتها في تحريك الاستهلاك.
وتحاجج الدراسة في شرح نتائجها بالقول إنّ خلاصتها يدعمها «غياب مثال واحد على قصّة نجاح للتحويلات: بلد يعتمد في نموّه على التحويلات استطاع تحقيق تنمية طويلة المدى». وتشير إلى أنّه نظراً لوجود بعض البلدان حيث تمثّل التحويلات أكثر من 10% من الناتج المحلّي الإجمالي كان من المفترض أن يُرصد على الأقلّ مثال واحد على هذه الظاهرة خلال العقود الأربعة الماضية «لكن ليس هناك أمّة تستطيع الزعم بصدقيّة أنّ التحويلات إليها موّلت أو حفّزت تنمية اقتصاديّة ملموسة».
واللافت هو أنّه في لبنان تفوق نسبة التحويلات إلى الناتج المحلّي الإجمالي حاجز 20%، فهي بلغت في عامي 2006 و2007، 22 في المئة، ما يعني أنّ لبنان متأخّر كثيراً على صعيد تحفيز النموّ باستخدام تحويلات المغتربين وفقاً للمعايير التي يعتمدها صندوق النقد الدولي.
وهذه المسألة تطرح تحديّات كثيرة أمام الحكومات المقبلة، التي على الرغم من هامش المناورة الضيّق الذي يحكم عملها، عليها استخدام الأدوات التي تمتلكها لتحفيز الاقتصاد ومضاعفة النموّ غير الحيادي جزئياً عبر جعل التحويلات غير حياديّة، أي لا تقتصر فقط على دعم الموازنات الاستهلاكيّة للعائلات.
العمليّة ممكنة؟ طبعاً، لكن بصعوبة، إذا استُخدمت القنوات الملائمة لاستخدام التحويلات. على سبيل المثال، يمكن إطلاق حملة وطنيّة لتشجيع استثمار التحويلات، وبالتالي تحويلها إلى رؤوس أموال منتجة لـ«العائلة المقيمة». فأموال المغتربين هي في المبدأ «ضمانات للعائلات وليست استثمارات» وفقاً لدراسة صندوق النقد. ولكي يُعكس ذلك المبدأ، يجب تطويع نقطة القوّة هذه لتلائم الواقع الاقتصادي الهجين في لبنان.
الموضوع يكتسب أهميّة متزايدة، وخصوصاً أنّ «أعمال» التحويلات تنمو باطّراد، ووصل حجمها عالمياً في عام 2008 إلى 305 مليارات دولار وفقاً لشركة تحويل الأموال الدوليّة «Money Gram». فعدد الأشخاص المهاجرين حول العالم يبلغ 200 مليون نسمة، وفي لبنان البيئة الاقتصاديّة والاجتماعيّة تحفّز كثيراً على الهجرة، وهنا يجب استغلال هذه الحلقة التي يسود اعتقاد خاطئ بأنّها بنسختها الحاليّة تُسهم بالنموّ، بينما جهود المغتربين تروح سدى في الاستهلاك!


مراجع: دراسة صندوق النقد الدولي: «هل تحفّز تحويلات المغتربين النموّ الاقتصادي؟». «الشبكة الماليّة للشرق الأوسط وشمال أفريقيا» (MENAFN.COM). معهد سياسات الهجرة: «وقائع وإحصاءات عن الهجرة في لبنان».


6.2 في المئة

هي نسبة نموّ التحويلات إلى لبنان بين عامي 2006 و2007 بحسب تقرير البنك الدولي: «وقائع الهجرة والتحويلات» لعام 2008.

300 مليار دولار

هي تحويلات العمّال الرسميّة عبر العالم التي سجّلت في عام 2007. وبحسب صندوق النقد فإنّ التحويلات غير الرسميّة تبلغ مليارات أيضاً.



بين الولايات المتّحدة والهند