غزة ــ أسماء شاكرأما عادة المشي الحافي، فلها قصص و«خراريف» أخرى، فمن لا يعرف الركض حافياً في المخيم يتّهمه الأولاد بأنه ليس ابن الحارة، وأنه دلّوع أمه، وقد يعايرونه إذا ما كانت أمه تضربه لأنه لا ينتعل شيئاً في قدميه عندما يلعب معهم. ولم يكن يهمهم أن يسمعوا بمسمار أو قطعة زجاج دخلت في رِجل ابن فلان، فمتعة الجري دون «شاحوط»، مشمّر الساقين، لها معنى مختلف في حياة المخيم.
أجيال كبرت، وأجيال أخرى نبتت في الشمس، شربت ماء المخيم العكر، ومشت حافية، تلعب بالقلول والحجلة وبلعبة الاختباء، تصنع طائرات من النايلون وورق الدفاتر وبقايا البوسترات الملونة.
حتى إن المشي الحافي صار رمزاً للرفض والقهر، وعلامة «الجودة» للمخيمات بلاجئيها، والمغتربين بشتاتهم، والانتفاضات بثورجيتها، وبكونك فلسطينياً... حتى الحذاء!
ولا أحد درى بسر كره حنظلة حتى «الآن» لانتعال الأحذية والشواحيط، رغم أن الأحذية أصبحت صناعة صينية رخيصة.
كما أنه، أصبح مشهوراً باغتيال صاحبه، مرسوماً في كل الأمكنة العامة، والخاصة أحياناً! فشعره المنكوش لا يغيب عن جدران المخيمات، كذلك مشاغباته التاريخية التي يحاول الرسامون اقتناصها، إضافةً إلى محاولات السطو المسلح على أفكاره الخاصة، أو حتى محاولات المحلّلين السياسيين التفكير.. فيما يفكر.
ولا أحد يمكنه التخمين بأسماء أصدقائه، رغم صوره المنتشرة على ميداليات الشباب، وسلاسل الفضة المعلّقة على صدور الصبايا، ومحال بيع التذكارات الغزاوية للمتضامنين الأجانب والسفن العابرة.
فذاك الكائن الورقي في الأصل، بقي مكتّفاً، صامتاً، لا يتأفف من انقطاع الكهرباء لأنه لم يكوِ قميصه، ولا بإغلاق المعابر لأنه لا يحتاج إلى جواز سفر، ولا بانشغال شبكة الجوال، وغلاء علبة السجائر، ورطوبة الصيف، وازدحام الطرق، وسخافة المهرجانات السياسية.
وحده حنظلة يفهم «تركيبتنا»، يكره تنازلاتنا، يعاقبنا و يصادقنا حين نعود إلى شتائمه.
وفي كل مرة نحاول فيها نبش صدق ذلك الكائن، يبقى صامتاً مكتوف اليدين، يتأمّل وجوهنا وأحذيتنا بسخرية موجعة.
حينها فقط، لن يستفزّنا صمته، أو فضولنا لمعرفة شكل وجهه، وحينها فقط سندرك أن للأقدام الحافية هويتها وأحلامها، خالعين لتلك المعرفة أحذيتنا اليومية العابرة.