سوء إدارة حوّل طائرات الشركة إلى «خردة» محمد وهبة
حطّت شركة الخطوط الجوية عبر المتوسط على مدرج مازن البساط بثمن بخس، فقد اشتراها بدولار واحد وتعهّد بتسديد ديونها البالغة 60 مليون دولار، هذه الرحلة سبقتها رحلات عدّة منذ أن بيعت الشركة في المزاد العلني في عام 1993، وهي كانت تتعرض تاريخياً للضغوط السياسية التي أجبرت، بدايةً، مؤسسها منير أبو حيدر على التخلّي عنها في عام 1986.

ملكية متنقلة

كان أبو حيدر ينقل الخضََر إلى مدينة الظهران في السعودية لشركة «أرامكو» على متن طائرة مستأجرة، فزاد حجم أعماله، ثم استأجر طائرتين إضافيّتين، وفي عام 1953 أنشأ شركة شحن جوي «TMA»، مستفيداً من علاقته مع رئيس «اياتا» الدولي آنذاك، الذي فتح له الأجواء العالمية للنقل الجوي، كما استفاد من إقفال قناة السويس لاحقاً.
ما لبث أسطول الشركة أن ارتفع إلى 10 طائرات بوينغ، منها اثنتان «جامبو 747» وثماني «707»، وصنّفت في حينه في المركز الرابع عالمياً في مجال الشحن الجوي، وبعد 29 عاماً طالها العدوان الإسرائيلي في عام 1982 فتضررت بعض العنابر والبضائع الموجودة فيها. طلب أبو حيدر مساعدة من الدولة اللبنانية بقيمة 50 مليون ليرة، فلم يحصل على شيء. لا بل جابه ضغطاً سياسياً انتهى بوضع حراسة قضائية عليها (أي تم الحجز على أملاكها بسبب ديون)، وتم من أجل ذلك استغلال المشكلة التي اندلعت في عام 1985 بين الإدارة والطيارين الذين ساندهم وزير الأشغال في حينه وليد جنبلاط.
في عام 1986، استرجع أبو حيدر الشركة بعدما أُلغيت الحراسة القضائية، وباع أصول الشركة وديونها لشركة «جت هولدنغ» المملوكة من بنك المشرق، الذي كان تابعاً لشركة «إنترا» التي كان يرأس مجلس إدارتها روجيه تمرز المدعوم من رئيس الجمهورية آنذاك أمين الجميل، فما كان من تمرز إلا أن باع الديون لشركة «مونديال 85»... إلى أن ظهرت فضائح تمرز في «بنك المشرق» فوضع مصرف لبنان يده على البنك وعيّن لجنة لتصفية أملاكه (لا تزال قائمة حتى اليوم)، وبينها «TMA»، وذلك عبر المزاد العلني، فاشترى البنك اللبناني الفرنسي، ممثلاً برئيس مجلس إدارته فريد روفايل، بحسب محضر المزاد، أصولها وموجوداتها بقيمة 8 ملايين دولار أميركي، وديونها لمصلحة «بنك المشرق» البالغة 25 مليوناً والناجمة عن كلفة التشغيل ورسوم لصندوق الضمان الاجتماعي، فضلاً عن 5 آلاف سهم مرهونة لمصلحة «كابيتال تراست بنك».
لكن روفايل أصرّ على أن ملكيّتها انتقلت إلى شركة هولدنغ يملكها باسم «الشركة اللبنانية للاستثمار» وأنّه لا علاقة للبنك اللبناني الفرنسي بها. وقد تردّد في ذلك الوقت، بين العاملين في الشركة، أن الرئيس الراحل رفيق الحريري قد ساهم بمبلغ 4 ملايين دولار تشجيعاً على شرائها... وقد حاولت جهات كويتية شراء الشركة، إلا أن المعنيّين رفضوا العرض إلى أن اشترى مازن البساط في عام 2009 كامل أسهمها البالغة 44300 سهم بدولا واحد.
ويملك البساط شركة «بساط الريح» لطيران «تشارتر»، وهي تحوّلت لاحقاً إلى «ميد إيرويز»، وحوّل البساط كل تعاملات «TMA» إلى «ميد بنك» وحده، ما جعل المراقبين يربطون بين ملكية الشركة وملكية البنك، ودور الحريري في شراء روفايل للشركة سابقاً، وما عزّز هذا الربط أن مجلس إدارة الشركة بات مؤلفاً من البساط ومازن محمد السمّاك، ومعهما محامي الشركة أدولف نعيم الذي يعدّ المؤثر الأول في القرارات، ويتردد أنه يمثل أحد المستثمرين الخليجيين في الشركة. وتشير مصادر أخرى إلى وجود شريك آخر مع البساط، عراقي الأصل، ولا سيما أن البساط يملك شركتي طيران للركاب تعملان حصرياً على خطوط «أربيل وبغداد».

تقهقر استثماري ومالي

السؤال المطروح الآن لدى أوساط واسعة: لماذا كانت الشركة تخسر؟ ولماذا هذا التهافت على شركة خاسرة؟
يرى عاملون في الشركة أن هناك مجموعة من الأسباب الكامنة وراء الخسارة، فالأسطول كان يتناقص، إذ باع أبو حيدر طائرتي الجامبو 747 قبل بيع الشركة لبنك المشرق، وبعدها أُهملت الطائرات الباقية حتى أصبحت «خردة» نتيجة للتوقف عن صيانتها وإعادة تأهيلها، ففي عام 2002 مُنعت الطائرات من التحليق فوق أوروبا بسبب إصدارها صوتاً مزعجاً كان يمكن تفاديه عبر تركيب فلاتر للصوت متطورة، وأيضاً حدّد قانون الطيران العالمي شروطاً للطائرات العاملة لا تنطبق على طائرات الشركة، إلا أن لبنان حصل على استثناء لإعادة تأهيل أسطوله، فاستمرت تعمل كطيران عارض «تشارتر» على خطوط أفريقيا، وفي عام 2004 توقفت جميع الطائرات عن العمل، فيما استمرت الشركة بالعمل إدارياً حتى 2008 بلا أي إنتاج.
مالياً، كانت الشركة قد سدّدت، في منتصف التسعينيات، دينها بقيمة 25 مليون دولار عبر زيادة رأس المال من 6 مليارات ليرة إلى 60 ملياراً، إلا أن أوضاعها زادت تقهقراً مع توقف الطائرات عن العمل بسبب «سوء إدارة واستثمار»، ويقول عاملون في الشركة إن الطائرة الباقية للشركة في أواخر التسعينيات كانت مؤجّرة لحكومة الكويت، ولم تُستثمر عائداتها في شراء طائرة جديدة أو لوضع برنامج إعادة تأهيل للطائرات التي أصبحت خُردة. ومن أسباب ارتفاع الخسائر آلية تشغيل هذه الطائرات، إذ كانت تستهلك كمية كبيرة من الوقود بكلفة مرتفعة، علماً بأن الطائرات المصنعة حديثاً تستهلك وقوداً أقلّ... وحصل كل ذلك في ظل بنية نفقات تشغيلية، إذ كان عليها أن تسدّد رسوم الطيران لتحافظ على امتيازات خطوطها، فالـ«TMA» كان لديها رخصة لخطّ الشرق الأدنى لأربع رحلات أسبوعياً بين اليابان ـــــ طوكيو ـــــ الصين ـــــ بانكوك... وامتياز استكمال الرحلة حول العالم، وصولاً إلى نيويورك.
مهما يكن الوضع الحقيقي مالياً وإدارياً، هناك أسئلة مطروحة: كيف ستتحول «TMA» إلى شركة رابحة، فهل ستشحن البضائع وسط منافسة محتدمة عالمياً في هذا المجال؟ أم ستتحوّل إلى نقل الركاب بعدما «تتحرّر» الأجواء اللبنانية من احتكار «الميدل ايست» بموجب الأجواء المفتوحة؟ أم ستندمجان؟ أم ستشتريها شركة خليجية أو أجنبية وتنافس «الميدل ايست»؟


3500 دولار

كلفة ساعة الطيران الواحدة على شركة «TMA» من ضمنها الوقود، وفق ما كانت عليه خلال التشغيل، لكنها اليوم ارتفعت بسبب أسعار الوقود، علماً بأن الحمولة وارتفاع الطائرة عن الأرض من العناصر التي تحتسب في الكلفة، إذ تخفّ الجاذبية واستهلاك الوقود


إعادة هيكلة وتأهيل