كان اليوم الثاني لمؤتمر حركة «فتح» مشحوناً وعاصفاً، وتمحور السجال حول ملفين: أولاً، مطالبة أعضاء اللجنة المركزية بتقديم تقرير مكتوب عن عملها التنظيمي والمالي، وهو ما استدعى تدخل الرئيس محمود عباس. ثانياً، إصرار عدد من فتحاويي قطاع غزة على تخصيص «كوتة» تضم ثلث أعضاء اللجنة والمجلس الثوري لهم، في ظل تهديد القيادي محمد دحلان بعدم الترشح للمناصب القيادية بسبب «تجاهل حقوق غزة»
بيت لحم ــ فراس خطيب
أجمع أعضاء المؤتمر السادس لحركة «فتح»، أمس، على وصف ثاني أيام مؤتمرهم في بيت لحم بأنه كان «عاصفاً»؛ فقد حضرت جميع تفاصيل البرنامج السياسي والتنطيمي للحركة، وطال النقاش بشأنها، إلى حدّ صار فيه التقدم في جدول أعمال المؤتمر بطيئاً، وهو ما فتح باب احتمال تمديد أعمال المؤتمر بعدما كان مقرراً إنهاؤه اليوم.
وبدأ يوم أمس بانتخاب القيادي في الحركة عثمان أبو غربية رئيساً للمؤتمر. ومع بداية المناقشات، وصف عدد من الأعضاء، في حديث لـ«الأخبار»، الوضع بـ«المشحون والمتوتر للغاية»، حيث تفاقم النقاش في النصف الأول من النهار الطويل. فقد طالب عدد من المشاركين اللجنة المركزية، بتقديم تقرير مكتوب ومفصَّل عن عملها. غير أنّ اللجنة المركزية رأت أنَّ الخطاب الذي قدّمه الرئيس محمود عباس في الجلسة الافتتاحية للمؤتمر، أول من أمس، الذي استعرض فيه الكثير من المحطات التاريخية في حياة «فتح» ومنظمة التحرير الفلسطينية، هو بمثابة تقرير اللجنة المركزية، وهنا احتدم الخلاف ورُفضت الحجة جملة وتفصيلاً.
وقد استُدعي أبو مازن لفضّ الخلاف، فدافع عن خطابه لأنه كان «كافياً وشاملاً»، مطالباً أعضاء المؤتمر باعتبار خطابه بمثابة تقرير، حاثاً على إنجاح المؤتمر بما أنّ هناك «الكثيرين ممن ينتظرون فشلنا». وخلال مداخلة عباس، طالب عضو المؤتمر حسام خضر (أسير سابق ومن الأعضاء البارزين الذين طالبوا بالتقرير) بـ«نقطة نظام»، عندها قال له عباس «اجلس». وشهد السجال توتراً بين الرجلين قبل أن يُعطى حق الكلام لخضر، الذي عاد وطالب اللجنة المركزية بتقديم تقرير شامل، بما أنّ «خطاب الرئيس لم يوفر الإجابات المطلوبة أو المرجوّة». وبهذه المداخلة، أُقفل النقاش ببساطة و«تم القفز عن هذا المطلب»، على حد تعبير أحد أعضاء المؤتمر.
وبحسب صحيفة «لوموند» الفرنسية، فإنّ المطالبة تمحورت حول تقديم تقريرين، أحدهما تنظيمي والآخر مالي للحركة عن عملها منذ مؤتمرها الأخير عام 1989. ووفق الصحيفة نفسها، فإنّ السجال الحامي دفع بالرقم 2 في اللجنة المركزية، أحمد غنيم (أبو ماهر) إلى الخروج من قاعة المؤتمر وهو شديد الانفعال بسبب الانتقادات اللاذعة التي تلقّاها من الأعضاء الغاضبين.
حتى إنّ أبو مازن، خلال مساعيه لفضّ الخلاف، اضطر إلى الاعتراف بأنّ حركته «ارتكبت أخطاءً، وحتى خطايا لكن لا يمكننا تقديم جردة عن حساباتنا إلا في اجتماعات لجان لا على شكل مداخلات فوضوية».
والنقطة الثانية التي فجّرت النقاش كانت كيفية التعاطي مع أزمة عدم حضور مندوبي غزة إلى بيت لحم. وقد بدأت «قصة غزة» قبل المؤتمر، حيث كانت حصة القطاع 550 عضواً في المؤتمر السادس، يوجد منهم حالياً 140 عضواً فقط بعد منع الآخرين من الخروج من القطاع. وقد وصل الأعضاء الـ 140 إلى الضفة قبل أشهر من انعقاد المؤتمر، ومنهم من سكن الضفة منذ سيطرة حركة «حماس» على غزة عسكرياً في 14 حزيران 2007.
ومع انطلاق أعمال المؤتمر السادس، حان موعد بحث كيفية ترشح ممثلي غزة في كل من اللجنة التنفيذية والمجلس الثوري ونصيبهم فيهما. وكانت قد دارت في أفق المؤتمر اقتراحات بأن تكون هناك «كوتة» تضم ثلث أعضاء المجلسين لغزة، حيث يقوم أعضاء القطاع بانتخاب ممثليهم في المجلس الثوري. اقتراح أيده كل من القياديَّين سمير مشهراوي ومحمد دحلان أثناء كلمتهما.
وكشفت مصادر لـ «الأخبار» عن وجود «خلاف تنظيمي» برز في أعقاب مسألة غزة بين دحلان وأحمد قريع (أبو العلاء) الذي عارض بشدّة تخصيص ثلث مقاعد اللجنتين لغزة. وكان دحلان قد أعلن أمام عدد من الصحافيين في ساحة كنيسة المهد، أنه قد لا يترشّح لا لعضوية اللجنة المركزية ولا حتى المجلس الثوري بسبب «تجاهل حقوق غزة». غير أن البعض يضعون تهديد دحلان في إطار مجرد «الضغط على القيادة».
وكان عضو اللجنة المركزية للحركة، نبيل شعث، قد تحدث صباحاً، قبيل احتدام السجالات، عن إيجاد حل لقضية تصويت وترشح أعضاء غزة، موضحاً أنه سيُسمَح لفتحاويي غزة ممن هم حالياً داخل القطاع، بالتصويت عبر الهاتف أو حتى بالبريد الإلكتروني، وذلك «لكي لا تشعر غزه بأنها همّشت أو أُقصيت أو أنها أصبحت مجرد رقم أو كوته انتخابية».
وكان المتحدث باسم المؤتمر، نبيل عمرو، قد عقد مؤتمراً صحافياً اعترف فيه بأنّ اليوم الثاني للمؤتمر كان «عاصفاً»، لافتاً إلى تأليف 18 لجنة خاصة إحداها لبحث قضية غزة، وموضحاً أنه «لا وجود لسقف زمني للمؤتمر» بما أنه «سيستمر إلى أن ينهي أعماله»، مستشهداً بعباس الذي خاطب الحضور بالقول «خذوا وقتكم، ناقشوا كل ما يجب أن يناقَش، واستخلصوا الاستنتاجات، واقترحوا علينا القرارات».
وانتهز عمرو مناسبة مؤتمره الصحافي ليجدد الهجوم على الحركة الإسلامية التي اتهمها بالقيام «بإجراءات فاشية وغير أخلاقية وابتزازية عبر منع أعضاء (قطاع) غزة من حضور المؤتمر العام»، مخاطباً إياها بالقول «عليكم أن تدركوا أنكم لن تعيدوا شعبنا إلى محاكم التفتيش». وجدد التأكيد أنّ حركته «لا تعترف بسلطة حماس ولا بمحاكمها»، جازماً بأنّ «أعضاء غزة الذين تمكّنوا من الحضور سيعودون إلى القطاع رغم تهديدات حماس لهم».


ملك السعودية يخاطب المؤتمر

انقسامكم أخطر من العدو


دعا الملك السعودي عبد الله، في رسالة بعث بها أمس إلى الرئيس الفلسطيني محمود عباس بمناسبة انعقاد المؤتمر السادس لحركة «فتح»، الفلسطينيين إلى التوحّد، معتبراً أن «القضية الفلسطينية توشك أن تدخل نفقاً مظلماً لا خروج لها منه إن لم تتداركها رحمة الله».
وقال عبد العزيز إن الانقسامات بين الفلسطينيين «أشدّ ضرراً من العدو الإسرائيلي»، لافتاً إلى أن «العدو المتكبّر لم يستطع عبر سنوات طويلة من العدوان أن يلحق من الأذى بالقضية الفلسطينية ما ألحقه الفلسطينيون أنفسهم بقضيتهم في شهور قليلة». وتوجّه إلى أعضاء «فتح» قائلاً «أنا اليوم لا أخاطب فتح الحركة، بل فتح الرمز الفلسطيني العربي الإسلامي، وأخاطب من خلال فتح كل الفصائل الفلسطينية وكل المواطنين» وجدد مطالبة الفلسطينيين «بوحدة الصف وجمع الكلمة وإنهاء خلافاتهم»، لأنه «ولو أجمع العالم كلّه على إقامة دولة فلسطينية مستقلة ولو حُشدت لها كل وسائل الدعم والمساندة، لما قامت هذه الدولة والبيت الفلسطيني منقسم على نفسه شيعاً وطوائف».
(يو بي آي)


محمود عباس: ارتكبنا أخطاءً وحتى خطايا، لكن لا يمكننا تقديم جردة عن حساباتنا إلا في اجتماعات لجان لا على شكل مداخلات فوضوية




بيل شعث: سيُسمَح لفتحاويي غزة بالتصويت عبر الهاتف أو البريد الإلكتروني، وذلك لكي لا تشعر غزه بأنها همّشت أو أقصيت




محمد دحلان: هدّد بأنه قد لا يترشّح لا لعضوية اللجنة المركزية ولا حتى المجلس الثوري بسبب «تجاهل حقوق غزة»