هل تفقّدت عادم سيّارتك (Echappement) أخيراً بعد صيانتها؟ قد يكون انتُزع منه الجزء المخصّص لحماية البيئة، الذي يمثّل أكثر من 90% من سعره الإجمالي! إنّه الفن اللبناني الذي ينافس الصناعة الأجنبيّة ويلقى رواجاً
نقولا أبو رجيلي
تنتشر محالّ بيع وتصنيع «إشابمانات» محرّكات السيارات والآليّات (كواتم الصوت) في جميع المناطق اللبنانية، غير أنّ بيع هذه السلع المستوردة من الخارج والمصنّعة محلياً يتفاوت بين مؤسسة وأخرى. ويخضع ذلك لمعايير عديدة، تحددها نوعية وحجم الحديد المبسّط أو ما يعرف بـ«التول» المعدّ لتصنيع هذه الكواتم، إضافةً إلى جودة وكمية المواد الأولية من مادة الـ«Fiber Glass» التي يجري تزويد باطن الـ«Depot» (المسمّى أيضاً «Catalyseur») بالكميات اللازمة منها، بغرض امتصاص ثاني أوكسيد الكربون المضرّ بالبيئة ومنع انبعاثه في الهواء، وبالتالي حجب أصوات المحركات والتخفيف من ضوضائها.
ولكن هل تًحترم المعايير الأساسيّة، وخصوصاً في ظلّ فوضى حماية المستهلك والبيئة؟

حجب الضوضاء فقط

وبعيداً عن المضاربات وحسابات الربح والخسارة، يوضح طوني نجيم الذي يملك متجراً لتصنيع وتلحيم كواتم الآليّات في المدينة الصناعية في زحلة، أنّ كل ما تحتويه الإشابمانات المصنّعة محلياً من مواد أولية، لا يتعدى كميات من مادة
الـ«FiberGlass» تُولّف وتُحشر حول قسطل حديدي «مخرّم» الجوانب يثبّت في باطن الـ«Depot» وذلك بحسب حجم محرك السيارة والآلية وقوته.
ومادّة الـ«FiberGlass» عبارة عن ألياف رقيقة جداً من الزجاج اختُرع شكلها الحديث عام 1938 على أساس مادة تسخدم للعزل في مجالات عديدة كالحرارة والكهرباء، إضافةً إلى تدعيم قوّة مواد عديدة. وفي لبنان تعدّ أساس صناعة الكواتم الرائجة.
نجيم يؤكّد أيضاً أنّ دور هذه المواد يقتصر على حجب أصوات المحركات لا أكثر ولا أقل، إذ لا يمكن تصنيع كواتم محرّكات تحمل مواصفات عالمية، كتلك التي تُستورد من الخارج وتباع في الأسواق بأسعار عالية، تفوق قدرة معظم اللبنانيّين على شرائها.
فهذه السلع المستوردة تتمتع بجودة عالية من ناحية نوعية الحديد المزدوج والمواد الأولية التي تُدخل بواسطة آلات حديثة تفتقر إليها المصانع اللبنانية، مثل الفحم الأبيض المضغوط والـ«Depot» اللذين يساعدان على امتصاص الكمية الأكبر من غاز ثاني أكسيد الكربون ومنع انبعاثه من الفوهة الخارجية لمؤخرة العادم.
وعن دور العادم في عمليّة منع تصاعد الدخان من المحركات، يلفت نجيم إلى أنّ ذلك ينبع من الخلل في عمل هذه المحركات، ولا تتعلق هذه العملية بنوعية العادم إن كان مستورداً أو مصنّعاً محلياً، وبعدها يستدرك بالقول: «لديّ القدرة على صناعة عادم بحسب المواصفات العالمية، وبالفعل قمت بذلك، إلا أن ارتفاع كلفة تصنيعه، دفعني إلى عدم تكرار التجربة حيث امتدت فترة بيعه لثلاث سنوات متتالية».
كلام نجيم يؤكده أغوب كروميان وهو صاحب محل لبيع قطع السيارات في زحله. فالأخير توقّف منذ سنوات عن استيراد العوادم الأجنبية، بسبب تكدّس هذه البضاعة في مستودعات مؤسسته، وعدم قدرة المستهلك اللبناني على شرائها لأسعارها المرتفعة والمتراوحة بين 600 دولار وأكثر من 1000 دولار وذلك بحسب نوعية السيارة وطرازها.
ويشير نجيم إلى أنّ منع انبعاث ثاني أوكسيد الكربون من المحركات لا يخضع لنوعية العادم ومصدر تصنيعه، مستورَداً كان أو محلياً، بل إن هذه العملية تنحصر في عمل آلة تعرف باسم «Pollution Control» التي تثبَّت في مقدمة عادم المحركات الحديثة، لتمتص جميع المواد التي تطلقها هذه المحركات بما فيها غاز «CO2» المضر بالبيئة (وهي عبارة عن شكل أكثر تطوّراً من «Depot» البيئة).
وعن إمكان تبديل هذه الآلة بعد قطع السيارات مسافات محددة، يضيف نجيم مبتسماً: «هذا أمر مستحيل في لبنان، فجميع أصحاب السيارات يعمدون إلى نزع هذه الآلة ورميها عند تبديل إشبمانات محركاتهم الأجنبيّة بأخرى مصنّعة محلياً».
وهنا يتدخّل زبون نجيم، إيلي شرّو، مطالباً المعنيّين في الدولة باتخاذ تدابير وقائية لمنع تلويث البيئة، أقلها إلزام أصحاب الشاحنات الكبيرة والصغيرة التي تعمل على المازوت، بتركيب عوازل مانعة لتصاعد الدخان من محركاتها، ويشدّد على أنّ ما يحصل على طريق ضهر البيدر هو الدليل الأكبر على ذلك.

تركيب غير بيئي

غير أنّ الاختصاصي الميكانيكيّ علي بلال، الذي يملك محلاً لإصلاح محرّكات السيّارات، يوضح أنّ عادم السيّارات مكوّن من قطع عديدة هي «الرقبة» و«Depot» البيئة و«حسّاس» البيئة. ويشدّد على أنّ لا عادم متكاملاً مصنوعاً محلّياً في منطقة، برج حمّود مثلاً، مزوّداً بـ«Depot» البيئة (وهو الذي يسمّى أيضاً «Catalyseur») ولا حتّى بحسّاس البيئة ولذا يمكن شراؤه بسعر يبدأ من 25 ألف ليرة.
ويتحدّث بلال أكثر عن عمل الـ«Depot»، ويقول إنّ عمله الأساسي هو تحويل غاز أوّل أكسيد الكربون السام جداً (CO) إلى ثاني أكسيد الكربون (CO2) الذي يعدّ أقلّ تلويثاً. وعموماً «يمكن إزالة الـDepot من دون التأثير على صحّة المحرّك، ولكن إزالة الحسّاس قد تؤدّي إلى خلل في عمله، وخصوصاً في السيّارات الحديثة».
ومن جهته، يرى طوني غانم الذي يملك محلّاً تجارياً مختصاً بقطع غيار السيّارات الأميركيّة، أنّ المواطن اللبناني «يتفنّن» بإقدامه على نزع فلتر البيئة و«حشوة» الـ«Depot» المستورد وإهمالها، ظناً منه بأن ذلك قد يساعد على التخفيف من الضغط على عمل المحركات، وبالتالي مضاعفة سرعة السيارة.
وكانت الأعوام السابقة قد شهدت ظاهرة تمثّلت في قيام أشخاص يعملون بتجارة الخردة، بشراء وتجميع عوادم مستعملة ومصنّعة في الخارج بمبالغ راوحت بين 100 دولار و200 دولار، وإعادة تصديرها وبيعها إلى الدول الأوروبية بأسعار خيالية وصلت إلى حدود الألف دولار، بغرض انتزاع المواد الأولية من داخلها، التي أشيع في حينها أن تفاعلها مع رواسب غاز ثاني أكسيد الكربون يؤدّي إلى إنتاج مكوّنات أوليّة تساعد على تصنيع حجر الألماس.
كما تجدر الإشارة إلى أنّ ظاهرة سرقة الميكانيكيّين لعوادم السيّارات انتشرت في كثير من المناطق اللبنانيّة. وتوضح بعض المعلومات أنّه في منطقة النبطيّة أُلقي القبض على أكثر من 15 ميكانيكياً لقيامهم بانتزاع «Depot» البيئة من سيّارات زبائنهم وبيعه فيما بعد وتحقيق الأرباح. وقد أُفرج عن هؤلاء الميكانيكيّين بعد دفع غرامات ماليّة.