مواقف المشاركين في الحكومة من الخصخصة والـTVAوالبنزين؟رشا أبو زكي
الأحزاب والقوى السياسية التي تعاقبت على تولّي حقائب وزارية مهمّة في خلال السنوات الماضية، ستحافظ على حصصها في الحكومة الجديدة، وهي باتت تعرف «طنجرة» الأزمة الاقتصادية البنيوية و«غطاها»، اكثر من نظيراتها التي ستشارك في الحكومة العتيدة، من دون أن يكون لها باع طويل في كيفية اتخاذ القرارات وإبرام الصفقات وآليات تنفيذ المشاريع من دون الحاجة إلى ادنى تخطيط او تحديد للاهداف.
لكن اللافت في حكومة الألوان السياسية المتخاصمة جداً، أن نظرة الأحزاب «العتيقة» للقضايا النقدية والمالية والاقتصادية والاجتماعية ذات ألوان متقاربة جداً، لا بل تكاد ان تنصهر في اللون الأبيض المحايد جداً عن هموم المواطنين ومصالحهم وتوقهم إلى جهد تصحيحي مطلوب يحدّ من الأثمان الباهظة المترتبة عليهم. أمّا «الجدد»، فهم حذرين جداً من طرح التغييرات الجذرية التي يطالبون بها، وهم متمسكون باستكمال تجربة محدودة جداً خاضوها في ظل حكومة «اتفاق الدوحة» القصيرة العمر.
في هذا الاستطلاع لمواقف وآراء بعض المسؤولين عن الملفات الاقتصادية في الاحزاب والقوى المرشّحة لنيل حصص كبيرة في الحكومة العتيدة، وهي: تيار المستقبل، التيار الوطني الحر، حركة أمل، الحزب التقدمي الاشتراكي، حزب الله، حزب الكتائب. يظهر سريعاً أن الاولويات غير محدّدة في مواجهة الوضع المتدهور، بل هناك شعور مريب بالراحة، وهناك شبه تسليم بالوصفات السابقة نفسها التي تضع مسألة الدين العام في مقدّمة الاهتمامات.
فالجميع يكرر عبارة واحدة في وصف الوضع المالي «إن الوضع سيّئ»، إلا أن وصف السوء لا يعني أن هذه الأحزاب، أو غالبيتها، تمتلك نيّات لفرض سياسات اقتصادية مختلفة عن تلك التي اتبعت خلال السنوات الطويلة الماضية. وبالطبع، فإن هذا الوصف لا يضع معظم هذه الأحزاب أمام تحدّ، ولو فكري، لمناقشة كيفية تطور هذا الدين وأسباب ارتفاع كلفة خدمته! ما عدا طبعاً موقف التيار الوطني الحر الذي يحمّل الفريق الحاكم سابقاً المسؤولية، ويحاول ان يظهر في مظهر الداعي إلى فرض شروط على خيارات هذا الفريق في الخصخصة والسياسات الضريبية المقترحة.
لقد نجح تيار المستقبل في إقناع قوى سياسية عريضة بأن الخصخصة هي الخيار «المنقذ»، الا ان البعض يتحايل على الوصف ليتبنّى الخيار بالمواربة، والبعض الآخر لا يزال غير حاسم في إعلان تبنّيه لهذا الخيار، فيغلّفه بشروط لا تبدو كافية لتغيير المسار. أمّا في مجال طرح زيادة الـTVA إلى 12%، فمعظم الأحزاب تبدو حذرة من القبول، نظراً إلى عدم شعبية مثل هذا الطرح، وتذهب بأسلوب خطابي إلى الدعوة لخفض رسم البنزين. والمؤكد أن أي تغيير لن يحصل في النمط المتّبع في إدارة البلاد اقتصادياً... فعلى الدرب نفسه سائرون!

البائعون ... كثر!

يقول الاقتصادي في تيار المستقبل مازن حنا، إن هناك مشكلة في تراكم الدين العام، والطريقة الوحيدة لمعالجة هذه المشكلة هي الخصخصة، ويرى أن أصول القطاعات المنوي خصخصتها، وخصوصاً الاتصالات، انخفضت مع بدء الأزمة المالية العالمية، لكن من المحتمل أن ترتفع لأن المستثمرين يبحثون عن فرص جديدة، إضافة إلى أن سوق الاتصالات دائم التطور ويتخطّى الأزمات الظرفية.
أما في قطاع الكهرباء، فيشير حنا إلى أن حل مشاكله تبدأ بإدخال القطاع الخاص في عملية إنتاج الكهرباء وتوزيعها، معتبراً أنه لا أحد يطرح خصخصة القطاع كلياً، لأنه «لا أحد سيشتريه»! ويوافقه في ذلك الاقتصادي في حزب الكتائب ملحم سعد، إذ يرى أن الوضع المالي ليس صحياً، ولذلك «علينا الإسراع في عملية الخصخصة، وخصوصاً في الكهرباء، ما يخفف الهدر ويخفض العبء عن الميزانية»، وهو يرى أن الخصخصة ليست خياراً سيّئاً حتى في ظل الأزمة العالمية.

حزب الله لا يتخذ موقفاً واحداً من الخصخصة، فالأمر يختلف بين مجال اقتصادي وآخر

ما تطرحه الأحزاب يُبقي لبنان في الحلقة المفرغة نفسها والاقتصاد مقيّداً
وعلى الرغم من أن مسؤول مكتب المهن الحرة في الحزب التقدمي الاشتراكي، أنيس أبو دياب، يرى أن حل مشكلة الدين العام تنطلق من الاصلاح المالي الذي يرتكز على الإصلاح الضريبي، إلّا أنه يعيد تصويب الموقف الذي أعلنه زعيم حزبه وليد جنبلاط الذي قال إنه لن يشارك في اي وزارة فيها كلمة خصخصة، فيوضح أبو دياب أن الحزب لا يضع «فيتو» بالمطلق على الخصخصة، ولكنه يطرح أسئلة للدرس، ومنها: إذا التُزم بالإصلاح الإداري فهل يصبح هناك حاجة إلى الخصخصة؟ هل نتخلى عن موجودات الدولة، أم نخصّص الادارة؟ أم نبيع الأسهم للشعب؟».
من جهته، يرفض رئيس اللجنة الاقتصادية في التيار الوطني الحر نقولا صحناوي طرح الخصخصة بديلاً عن الاصلاح، فهو يرى أن الدين العام هو مسؤولية الفريق الحاكم الذي أنتج نموذجاً اقتصادياً ريعياً مجبولاً بالفساد، «وعلى هذا الفريق ان يتحمل المسؤولية، لا ان يرميها على المواطنين». ويلفت إلى أن فلسفة التيار تقوم على اعادة تطوير المؤسسات العامة واصلاحها، فيما فلسفة الفريق الحاكم قائمة على الخصخصة».
ويوضح صحناوي أن التيار مع الخصخصة وفق شرطين، الأول ان يكون هناك من يسهر على مصلحة الناس وعدم نقل احتكار من يد القطاع العام إلى الخاص. وثانياً ان يكون هناك من يحتسب تقنياً ومالياً جدوى الخصخصة ومقاربة هذا الموضوع وفق مصلحة المواطنين أولاً... هذا في الاتصالات. اما في الكهرباء، فيرى صحناوي أن التشركة تحسّن من أداء المؤسسة من دون الحاجة إلى الخصخصة. وفي كل الاحوال، يشترط ان تُستخدم العائدات في توليد أصول جديدة، لا هدرها.
ويشخّص الاقتصادي في حزب الله عبد الحليم فضل الله الوضع المالي في لبنان بأنه سيّئ، وما يزيد من سوئه هو عدم شفافية المؤشرات، معتبراً انه يمكن الوصول إلى حل جذري بعد قيام توافق مالي بين الأطراف الاساسية المعنية للتوافق على اجراءات عديدة اهمها خفض معدلات الفائدة. ويوضح ان حزب الله لا يتخذ موقفاً واحداً من الخصخصة، فالأمر يختلف بين مجال اقتصادي وآخر، وبين مؤسسة وأخرى. ولفت إلى أن حزب الله يميل إلى ان تكون الدولة قادرة عل اتخاذ القرارات في القطاعات الحيوية، ولكن في الاتصالات، فإن الوقت غير مناسب للخصخصة، وفي حال حصولها يجب أن تكون حصيلتها مجدية، بهدف اطفاء ما يمكن اطفاؤه من الدين العام.
ويقول رئيس الهيئة التنفيذية في حركة أمل محمد نصر الله أن التضخم الكبير الذي يشهده الدين العام ما هو الا «مرض يجب التخفيف من قساوته» عبر تحسين الجباية الضريبية، واستعادة الاملاك البحرية، وزيادة الضرائب على الارباح المصرفية بطريقة تصاعدية، وعودة المال المغترب للاستثمار في لبنان، والغاء البيروقراطية في الوزارات عند طلب الاستثمار. ويلفت إلى ان حركة أمل لا ترى اي فائدة من الخصخصة سوى بيع القطاعات بمبالغ زهيدة، ولكن يمكن تفعيل القطاعات عبر مشاركة القطاع الخاص بنسبة لا تقل عن 40%، وان تبقى للدولة «حصة الإدارة والإشراف»!

خفض رسم البنزين... والـTVA؟

في موضوع الضرائب، يشير حنا إلى أن تيار المستقبل يعمل على دراسة شاملة تتعلق بوقع الضرائب على المكلفين، وإذا وجد خللاً فـ«سنصحّحه». وقال «لسنا ملتزمين برفع الـTVA أو خفضها»، فكل ذلك يحتاج إلى دراسة. أما عن رسم البنزين فقال «سنسعى إلى خفضه». ويقول فضل الله إنه لا ينبغي الموافقة على اي أعباء ضريبية ما لم يكن هناك مفاعيل اجتماعية في المقابل، على أن تكون كذلك تصاعدية. ولا يعلن فضل الله صراحة رفض زيادة الـTVA، قائلاً «لا نستطيع اعلان موافقة او عدمها، ولكن اي زيادة او تعديل ضريبي يجب أن يحصل ضمن سياسة ضريبية متكاملة».
ويؤيّده صحناوي، إذ يلفت إلى وجود خيارين اقتصاديين في لبنان: إما تكييف السياسات الاقتصادية والاجتماعية بهدف إطفاء الدين العام، وحينها يجري طرح رفع الضريبة على القيمة المضافة واتباع التقشف وزيادة الرسوم والضرائب... وإما اعتماد نهج آخر يقول بأنه يجب النظر إلى مصالح الناس في هذا البلد وتحسين نوعية الخدمات العامة وزيادتها وخفض كلفتها ورفع القدرة الشرائية. وهذا خيار التيار الوطني الحر الأساسي، لافتاً إلى أن التيار يرفض رسم البنزين المرتفع، وقد قدّم مشروع قانون في هذا الصدد في مجلس النواب».
ويقول سعد إن حزب الكتائب، في إطار دراسة موضوع زيادة الـTVA، لا يرفضها بالمطلق، أما في ما يتعلق برسم البنزين «نحن نرفض زيادة الاعباء على المواطنين، ولكن الرسم يدخل في ايرادات الدولة، لذلك سندرس هذا الموضوع». فيما يرى نصر الله ألا مبرر لزيادة الـTVA قبل ان تقدم الدولة للناس خدمات مقنعة، أما أبو دياب فرأى أن السياسة الضريبية المتبعة مجحفة، واشار إلى أن وزراء الحزب التقدمي الاشتراكي سيعملون على إعادة النظر في الرسوم المفروضة على البنزين، وتحقيق التوازن بين الضريبة المباشرة وغير المباشرة، تمهيداً لاعتماد الضريبة التصاعدية.
كيف يرى الخبراء الاقتصاديون المستقلون مواقف هذه الأحزاب من مسألتي الخصخصة وزيادة الضريبة على القيمة المضافة؟ يقول الخبير الاقتصادي شربل نحاس، إن المواقف الاقتصادية للأحزاب المشاركة في الحكومة المقبلة تنطلق من مبدأ «تماشي الخطابات مع الجو العام»، فإذا كان هناك كلام كثير عن رسم البنزين، يصبح معظمهم مع خفضه. ويشرح نحاس أن هذه مشكلة توحي أنهم لا يرون أن هناك ضرورة لمواجهة خيارات جدّية، وخاصة أنهم بدّلوا آراءهم في العديد من القضايا المطروحة من دون أن نسمع نقاشاً اقتصادياً فيها... معتبراً أن هذا دليل على ان هناك شبه إجماع على اعتبار الا ضرورة للخيارات أصلاً، وأن القضايا المهمة هي في مكان آخر، لافتاً إلى أن ربط الخصخصة بالدين العام لا ينطوي على مغالطة فقط، بل على خطورة.
أما وزير المال السابق جورج قرم، فيرى أن ما تطرحه الأحزاب يُبقي لبنان في الحلقة المفرغة نفسها، ويُبقي الاقتصاد مقيّداً يعتمد حصراً على تحويلات المغتربين والسياحة والنشاط العقاري، ويهدر كل الطاقات والميزات الحقيقية الموجودة في الاقتصاد التي نصدّرها من دون استثمارها، معتبراً أن هذه العقلية ستبقي على النموذج الريعي غير المنتج الذي أدى إلى هذه المديونية المجنونة، ومشدداً على أن الخروج من حلقة المديونية لا يحصل بالخصخصة. فحتى لو درّت 10 مليارات دولار، فلن تحلّ مشكلة الدين العام، إذ يجب الكف عن حصر السياسة الاقتصادية في هذا الموضوع، معتبراً أنّ وصفات باريس 2 و3 لا تزال هي السائدة لدى المعارضة وما بقي من 14 آذار.


9748 في المئة

هي نسبة الزيادة في الرسوم المفروضة على البنزين في النصف الأول من هذا العام مقارنة مع الفترة نفسها من العام الماضي، إذ بلغت قيمتها حوالى 492.4 مليار ليرة، مقارنة مع 5 مليارات في 2008، وقد انعكس ذلك زيادة في قيمة الرسوم الجمركية بنسبة 101%


الانضمام إلى برنامج IMF؟