لم ينتهِ مؤتمر «فتح». الاجتماعات الماراتونية انتهت، لكن الانتخابات وتفاصيلها بقيت عقدة. فحتى مساء أمس لم تكن العملية الانتخابية للمجلس الثوري واللجنة المركزية قد انتهت، ولا سيّما أن تصويت الغزاويين عبر الهاتف كان عقدة العقد
بيت لحم ــ فراس خطيب
المؤتمر السادس لحركة «فتح»، الذي كان مقرراً أن يختتم أعماله في ثلاثة أيام، دخل أمس يومه السابع، وانتخابات المركزية والثوري كانت في صلب صلبه. فقد فُتحت صناديق الاقتراع أول من أمس، واستمرّ تصويت الأعضاء الموجودين في بيت لحم حتى الساعة الثانية بعد منتصف ليلة أول من أمس، لكنَّ أعضاء غزة، واصلوا التصويت حتى ساعة متأخرة من ليلة أمس. وكان المؤتمر قد اتخذ قراراً بعدم بدء فرز الأصوات إلى حين استكمال عملية الاقتراع، وقد قيل إنَّ عملية فرز الأصوات ستبدأ عند ظهيرة أمس، وتأجلت عملية الفرز حتى الساعة الرابعة عصراً ومن ثم إلى السادسة مساءً. ومن بعدها تسلّل الليل إلى بيت لحم وأروقة المؤتمر، وفرز الأصوات لم يبدأ. وحتى الساعة التاسعة من مساء أمس، فقد تبين في حينه أن لجنة الانتخابات بانتظار بضعة أصوات من غزة.
قطاع غزة كان «عقدة المؤتمر» بامتياز، وقد نال النقاش بشأنه حصة الأسد: كيف سيشارك أعضاء غزة الذين منعتهم حماس من الوصول؟ كيف سيترشّحون؟ كيف سينتخبون؟ إرباك شديد للغاية حلّق طيلة الأيام السبعة الماضية، ليظل حل إشكالية تصويتهم عالقاً إلى أول من أمس. وقد جاء الحل متأخراً، لكنه لم يكن إبداعياً بمقدار ما كان نابعاً من الـ «لا خيار» أمام قيادة المؤتمر إلا تصويت أهل غزة بواسطة الهاتف، وفي هذا بطء ومعاناة، وقسط كبير من تمديد أعمال المؤتمر السادس من ثلاثة أيام إلى سبعة أو ثمانية في أحسن الحالات.

أي ورقة لا تحمل 18 اسماً للمركزية و80 اسماً للمجلس الثوري تكون ملغاة
كان المسؤولون في المؤتمر قد أعلنوا أنَّ عملية الاقتراع بدأت أول من أمس عصراً بالتزامن بين الضفة الغربية وقطاع غزة، لكنَّ مصادر مطلّعة قالت لـ«الأخبار» إنَّ مقترعي غزة بدأوا التصويت قبل مقترعي الضفة، وإعلان مسألة التزامن جاء لتمويه «حماس» «كي لا تعرقل سير التصويت».
التصويت عبر الهاتف ليس مهمة سهلة في ظل ما يحياه المؤتمر السادس. وبحسب مصادر مطلّعة، فإنَّ التصويت جرى بواسطة الاتصال من جانب لجنة الانتخابات بعضو المؤتمر الذي يعطي رقم هويته وبعض التفاصيل عنه، ومن بعدها يجري التحقق منه بواسطة «لجنة تعريف الصوت» التي تعبّئ النماذج «وهذه عملية بالغة التعقيد، ليست سهلة، وقد واجهنا عقبات جمّة بهذه الطريقة» قال المصدر، مضيفاً إن «حماس ارتكبت خطأً بهذا، وقوّت معاديها داخل فتح. فما فعلته هو هوّة كبيرة، من الصعب حلّها». وقد خلق هذا الإرباك شكاوى كثيرة من أعضاء المؤتمر من قطاع غزّة، ما أخَّر الانتخابات.
التصويت الذي استغرق كثيراً أمس، سار كالمعتاد، لكنَّ عدداً من المرشحين اشتكوا من حدوث «فوضى» أحياناً. إلّا أنّ مسؤولاً قال لـ«الأخبار»: «يجري الحديث عما يقارب 2000 مصوّت. التوجه ديموقراطي، وبطبيعة الأحوال يحصل أحياناً حديث عن فوضى أو غيرها، لكنّ هذا لا يمنع أن الانتخابات شفّافة ونزيهة». ووصف مسؤول آخر الوضع بقوله إن «كل مصوّت يدخل إلى القاعة عليه أن يعبّئ 18 اسماً للمركزية، و80 اسماً للمجلس الثوري. وهذا ليس سهلاً. وإذا سجّل أقل من هذا الرقم، فالصوت سيكون مُلغى. والعملية معقدّة وصعبة».
وقالت مصادر أخرى لـ«الأخبار» إن الأوضاع داخل قاعة المؤتمر وفي أروقته «تبدو صعبة، وخصوصاً أن التنافس شديد، والأمور غير واضحة أبداً. نحن نتحدث عن القيادة الأولى للحركة، عن انتخابات أولى منذ عشرين عاماً. لا أحد مضموناً». لكن في الحقيقة هناك عدد من الأسماء التي تتردّد في أروقة المؤتمر، وقيل إنها «مضمونة»، على رأسها الأسير مروان البرغوثي، لكن حتى مع هؤلاء لا يمكن الحسم.
وقد عقد الناطق الرسمي باسم المؤتمر نبيل عمرو مؤتمراً صحافياً أمس، أشار من خلاله إلى أن «نتائج المؤتمر ستكون محترمة من جانب الجميع، وعندما نحتكم إلى الاقتراع سيوافق الجميع على نتائج الصندوق مهما كانت النتيجة». وتابع أنه «حتى اللحظة أرى رضى جماعياً عن كل ما يجري على الصعيد السياسي والشفافية، وعلى صعيد التصويت وعلى المستوى نفسه عن عميلة فرز الأصوات».
وقدّم نبيل عمرو شكره للصحافيين. وقال إنه «مجبر على مغادرة المؤتمر والسفر إلى ألمانيا، بعدما أجرى فحوصاً طبية ونصحه الأطباء بالسفر فوراً إثر مشكلة صحية متعلّقة بساقه».
اليوم، بعد سبعة أيام من المؤتمر، يبدو جلياً، من خلال التفاصيل أن الانتخابات وغزة كانتا في صلب المؤتمر السادس للحركة. هذا التوتر السائد، يعكس ضرورة هذه الحقبة الانتخابية في حياة حركة فتح. فقد كانت الانقسامات عديدة، وفتحت ملفات لم تُطرق منذ سنوات. ومع اختتام أعمال المؤتمر لا بد من السؤال: «كيف ستنعكس هذه الأجواء في صناديق الاقتراع؟»، وكيف ستتعاطى كوادر فتح في الداخل والخارج مع اللجنة المركزية الجديدة، وهي الآتية بعد عشرين عاماً في ظل تحديات سياسية إقليمية كثيرة.


بلعاوي يأمل فوز «الجيل الشاب»

مع بدء فرز أصوات المقترعين الفتحاويين في وقت متأخر من مساء أمس، لم تكن ملامح النتائج قد بدأت بالظهور، ولا سيما لجهة الجيل الذي سترجَّح كفته في اللجنة المركزية خصوصاً.
وفي السياق، قال عضو المؤتمر السادس لحركة فتح، حكم بلعاوي، إن المؤتمر مثّل انطلاقة جديدة للحركة، مضيفاً «مررنا بصعوبات وعقبات كبيرة وجرى تجاوزها».
وأكد بلعاوي «أتمنى أن يكون ثلثا الأعضاء الفائزين في الانتخابات من الجيل الجديد، ومن ذوي الكفاءة، حيث إنهم لم يأتوا للمؤتمر إلا وفق معايير محكمة، وبذلك هم جديرون بذلك ويستحقونه». وأضاف «إن انتهاء المؤتمر مثّل بداية ناجحة لحركة فتح، وخلال ساعات ستعلن النتائج»، مضيفاً إن «التأخير حصل بسبب ما تعرّض له أعضاء غزة من مضايقات من جانب حركة حماس» .
وأكد بلعاوي أنه يجب على أعضاء اللجنة المركزية التفرغ للحركة تماماً للنهوض بها، مؤكداً أن المقاومة حق مشروع للإنسان الفلسطيني أخلاقياً ووطنياً وعالمياً، في سبيل إنهاء الاحتلال وإقامة الدولة الفلسطينية المستقلة. وأوضح بلعاوي أن النجاح كان للمؤتمر لا لأشخاص بحد ذاتهم، وقد حيّا الأسرى الفلسطينيّين في سجون الاحتلال، داعياً إلى تفعيل الساحات في حركة فتح في آن واحد (ساحات الخارج والداخل). وقال «علينا أن نتعامل بالرحمة بعضنا مع بعض، وأن نتعامل بالأُخوّة والأبوّة لا بالضرب والقتل والتكسير». وأضاف «الحوار ضروري واستمراره ضروري لحل الخلافات مع حركة حماس».
(معا)