عادت مسألة منع بيع الخمور، أو تقديمها في النوادي والكازينوات العراقية، إلى واجهة الحياة السياسية، بعدما لم يتوصل مجلس النواب إلى حلول بشأنها، إذ يمنع الدستور إصدار قوانين تعارض الشريعة الإسلامية، وفي الوقت نفسه ينص على ضمان الحريات الشخصية
بغداد ــ زيد الزبيدي
بعد سماح الحكومة العراقية في عام 2007 ببيع المشروبات وتداولها علناً، رأى المواطنون ذلك نوعاً من الانفتاح، وكبحاً لمحاولات جعل العراق دولة إسلامية. وفي الشهور الماضية، حاولت وزارة السياحة منع المشروبات، ووزعت تعهداً مطبوعاً على النوادي والكازينوات، في بغداد تحديداً، طلبت التوقيع عليه، ويقضي بالالتزام بعدم تقديم المشروبات أو بيعها. إلا أنّ الأجهزة الأمنية كان لها رأي آخر، حيث قررت فرض غرامات مالية على أصحاب محالّ بيع المشروبات، في حالة غلق محالّهم، أو امتناعهم عن البيع، حتى في أيام الجمعة.
وبحسب المتابعين للشأن العراقي، فإن القوات الأمنية، ومن خلفها قوات الاحتلال، وزعت، عند تطبيق خطة «فرض القانون» عام 2007، مبالغ نقدية على أصحاب المحالّ التجارية الذين يعيدون فتح محالّهم، وخصوصاً في «المناطق الساخنة» أمنياً، وذلك بهدف محاولة إعادة الحياة إليها. وكان نصيب أصحاب محالّ بيع المشروبات الكحولية أكبر من الآخرين، وذلك لإعطاء صورة عن أن الوضع الأمني يعود إلى طبيعته، لذلك كانت الحماية الأمنية، العراقية والأميركية، هي ضمانتهم.
وكان لانطلاق حملة «صولة الفرسان» في البصرة تأثير مباشر على إلغاء المنع غير الرسمي لبيع المشروبات وتداولها، وقد حُسب هذا «الإنجاز» لرئيس الحكومة نوري المالكي وحكومته. غير أن قرار الإدارة المحلية بإعادة منع استيراد الكحول وبيعها، ترك ردود أفعال بارزة، بينها تعليق ممثل مسيحيي البصرة، الدكتور سعد بطرس، عضويته في مجلس المحافظة، وتعهد قيادة عمليات الجيش هناك بحماية مخازن المشروبات الروحية، وسط تحذير من أن يكون الأمر بمثابة عودة لمصادرة الحريات على يد الميليشيات التي كانت حاكمة قبل «صولة الفرسان».
وكشفت صحيفة «الصباح الجديد» المستقلة، نقلاً عن مصادر في المجلس الجديد لمحافظة البصرة المكوّن من «ائتلاف دولة القانون» الذي يتزعمه المالكي، أن قرار المجلس بإلغاء أي رخصة لبيع الكحول، دفع بالنائب المسيحي الدكتور سعد بطرس إلى تعليق عضويته في مجلس المحافظة، بينما رفض أعضاء يمثلون «حركة الوفاق الوطني» بزعامة الرئيس الأسبق للحكومة أياد علاوي وآخرون مستقلون، التعليق على هذا القرار.
إلا أنّ مصادر مقربة من الحكومة المحلية أكدت أن قيادة عمليات الجيش في البصرة أعلمت المسيحيين الذين يمتلكون مخازن بيع الكحول المرخصة بأنها مستعدة لحمايتهم رغم قرار مجلس المحافظة.
وذكر شهود عيان أن المخازن التي تنتشر في منطقة العشّار كانت تعمل حتى مساء أمس، وأن نقاط تفتيش الجيش كانت موضوعة قربها لحمايتها. ورجّح مراقبون أن يكون قرار المنع اتُّخذ بضغط من ممثلي التيارات الدينية الذين تحالفوا مع «دولة القانون»، كذلك أشاروا إلى أنّ القرار يمكن أن يمثل محاولة لشغل الرأي العام في المدينة عن انهيار الخدمات وسوء الإدارة.
وتعليقاً على إصدار مجلس محافظة البصرة قراراً بمنع بيع المشروبات الكحولية، لفت مسؤول سابق في المحافظة إلى أن الدستور العراقي «لا يسمح بصدور مثل هذا النوع من القرارات التي تتعارض مع الحقوق والحريات المدنية والشخصية». ورأى أن «على مجلس محافظة البصرة دراسة مشاريع القرارات بصورة مستفيضة قبل التصويت عليها أو إقرارها، وعليه أن يكون حريصاً على عدم مخالفتها للدستور».
بدوره، جزم المحافظ السابق للبصرة، النائب الحالي المستقل، القاضي وائل عبد اللطيف، بأن مجالس المحافظات «لا تمتلك سلطة التشريع بالنسبة إلى القوانين، وهناك قانون مركزي ينظم عملية بيع الخمور والمشروبات الروحية، وعلى مجلس المحافظة أن لا يتخذ قراراً أو تعليمات تتعارض مع هذا القانون». وأوضح أنه «ليس لمجالس المحافظات أن تشرّع القوانين، لكن من حقها إصدار لوائح تنظيمية، على أن لا تخالف الدستور الاتحادي».
في المقابل، أكد الخبير القانوني طارق حرب أنه سمع مراراً من «ائتلاف دولة القانون» الذي يسيطر على محافظتي بغداد والبصرة، أن أولويّاته «لا تتعلق بالحجاب أو الخمور، بل بمعالجة المسائل الملحّة مثل الكهرباء والماء والخدمات الحيوية».
وسخر حرب من محاولات منع الكحول في البصرة، بما أنها أبرز محافظة تمتلك مؤهلات الاستثمار الأجنبي والسياحي، متسائلاً: «هل نشترط على المستثمرين الأجانب عدم شرب الخمور؟».