شرم الشيخ ــ الأخبار
بقرب المرسى، (الميناء) الذي يحمل اسم «سقالة الجيش»، تتحرك يومياً عشرات الرحلات بين مدينة شرم الشيخ وجزيرة تيران، التي تستقبل الراغبين في الغوض أو هواة مشاهدة الأسماك الملونة والشعب المرجانية التي يصل عمرها إلى آلاف السنين لأن نموّ كل سنتيمتر واحد منها يتطلب عشر سنوات.
رحلات المراكب تنطلق ضمن «يخوت» بحرية تحمل على الأقل 15 شخصا، بخلاف الرحلات الخاصة، وكلها تذهب في العاشرة صباحاً وتعود في الخامسة مساء. وقبل ذلك يدوّن مندوب لوزارة الداخلية أسماء المغادرين وأماكن إقامتهم وغيرها من التفاصيل التي تساعده على الوصول إليهم، اذا لم يعد المركب، وهي إجراءات تستغرق نحو ساعة يقضيها رواد الرحلة بتشغيل الأغاني الشعبية التي تحظي بتفاعل قوي من الحضور بمن فيهم الأجانب. هؤلاء يمثلون غالبية الركاب حاليا برغم استمرار حظر السفر على مصر من عدة دول في مقدمتها روسيا وبريطانيا.
وتحت ضغط انخفاض حركة السياح وتراجع معدلات المصريين الوافدين، اضطر أصحاب المراكب إلى خفض أسعار الرحلات، وكذلك جودة الخدمات المقدمة على متنها، لكن رحلات تيران بقيت الأكثر تفضيلاً للمصريين، ليس فقط لأنها المكان الأفضل للغطس في شرم الشيخ، بل لأنها أقرب إلى مرسى «اليخوت» ولا ويفرض فيها خمسة دولارات على دخول المصريين كما يحدث في محمية رأس محمد، ضمن رحلة لم تعد تكلفتها تتجاوز 11 دولارا!
في رحلتنا أمس، توجه قائد المركب مع باقي زملائه إلى قطعة من الأسطول البحري المصري، وقف شخص عليها بملابس مدنية، لمراجعة تصاريح التحرك لجميع المراكب. مفاجأته كانت إخبارنا بأنه يمنع الاقتراب من الجزيرة مع السماح بالغطس في محيطها، وهو التعليق الذي استقبله الركاب بسخرية، وخاصة المصريين منهم، فيما ظل مواطن سعودي وزوجته، كما ظهر من جوازات سفرهما، يجلسان دون حديث، برغم التعليقات المستهزئة بانتقال تبعية الجزيرة إلى المملكة.
من بين الركاب، لم تكن هناك سوى عائلة واحدة من خمسة أشخاص أوكرانيين، وعروسين من لبنان، وعائلة من رام الله في الضفة المحتلة، إضافة إلى فرنسييْن من أصول افريقية، جاؤوا من أجل تجربة الغوص بمساعدة غطاسين محترفين. كما باتت أسعار رحلات الغوص بسيطة، ولا تتجاوز 12 دولارا بخلاف سعر الرحلة (11 دولارا)، وذلك بسبب الركود القاتل.
يخاف أصحاب المراكب من أن يصير المنع عاماً وطوال السنة

يقول علي، وهو اسم بديل عن الاسم الحقيقي للشاب الذي يخشي تعرضه لمضايقة أمنية، إن رحلات تيران كانت تستقطب قبل «الربيع العربي» الآلاف يوميا، مشيرا إلى أن جميع المراكب كانت تتحرك بأريحية أكثر، فيما يحتاج السياح إلى الحجز قبل الموعد بأيام. ويذكر الشاب أن الوضع الحالي (ما بين ثورة يناير ونقل تبعية الجزيرتين)، كان يشهد وجود نحو ألف شخص غالبيتهم من المصريين.
يروي علي أنه يعمل في تدريب الغوص بالقرب من الجزيرة منذ عام 2006، وطوال تلك المدة كان العمل يسير جيدا، باستثناء الشهور الأخيرة التي شهدت تشديدات أمنية وإيقافا لتجاوزات بعض السفن التي كانت تمكّن ركابها من الوصول إلى شاطئ الجزيرة بدعوى أنها مخالفة قانونية. ومؤخراً صدرت تنبيهات لهم بالابتعاد عن تيران تحديداً، ثم فوجئوا بقرار المنع قبل يوم واحد من ذكرى الاحتفال بـ«ذكرى تحرير سيناء».
بالنسبة إلى دعوات التظاهر على الجزيرتين، يرى عدد من القائمين على الرحلات أن ذلك صار «شبه مستحيل»، لأن القوات البحرية لن تسمح للمراكب بالتحرك من الميناء، وإذا فعلوا ذلك فسيواجهون مشكلات كبيرة، وخاصة أن الأمن في المنطقة عندما يقرّر التضييق على أحد يستطيع منعه من العمل وإجباره على العودة إلى مسقط رأسه.
من على بعد نحو 900 متر عن الجزيرة، توقف المركب للمرة الأولى، وبدأت رحلات الغوص في المنطقة البحرية وسط التفاف لأصحاب المراكب إلى جوار بعضهم بعضا. وكان لافتا وجود مراقبة بحرية عسكرية كثيفة على المراكب. وأكثر ما يخشاه أصحابها أن تتوقف الرحلات في الأيام المقبلة إذا استمر منع الاقتراب من الجزيرتين، علما بأن المنطقة التي كان يحذر عليهم الاقتراب منها هي قصور الرئيس الأسبق حسني مبارك خلال توليه السلطة، حيث كانوا يجبرون على الابتعاد عنها لأكثر من ستة كيلومترات في عمق البحر ضمن إجراءات التأمين.
وبرغم معاناة التكلفة والوقت التي كانوا يتكبدونها آنذاك بسبب هذا الإجراء، فإن الأمر بالنسبة إليهم لم يكن سيئا في ظل تحقيق عائد جيد مقارنة بالأوضاع الراهنة، لأنهم كانوا يحصلون على 12 دولارا كنسبة عن كل غطسة مع الهواة، لكن هذا المبلغ بات الآن يشمل إيجار المعدات. ولا يختلف وضع هذا الغواص كثيراً عن زملائه على المركب التي تضم ثلاثة غطاسين آخرين، فهناك شاب مختص بالتصوير تحت الماء وآخر يهتم بتأجير المعدات لركاب الرحلة، كلهم باتوا يراقبون ما ينشر في الإعلام عن تيران، خوفاً من أن يستقيظوا في يوم ما على خبر وقف الرحلات إلى الجزيرة نهائياً وليس مؤقتاً كما حدث في الىومين الماضيين.