انخفاض الإنفاق الاستثماري 8%: لا حاجة إلى الماء والكهرباء!حسن شقراني
تطرح التقارير الدوليّة والوطنيّة المختلفة التي تُعنى بكيفيّة معالجة الاقتصاد اللبناني وتطويره مسألة يجب الإسراع في معالجتها: كهرباء لبنان. فالتحويلات إلى هذا القطاع من أجل معالجة نقص الأموال لتغطية حاجات الوقود والديون السابقة والفوائد نمت عام 2008 بنسبة 64.3% لتبلغ 2430 مليار ليرة (1.62 مليار دولار)، أي ما يمثّل 16.24% من النفقات الإجماليّة.
ولكن رغم ذلك يبقى الاهتمام بهذا القطاع معدوماً مثلما هي الحال في القطاعات الاستراتيجيّة الأخرى التائهة في بحر المناكفات السياسيّة في البلاد.
فتحفيز عمل قطاع الكهرباء في لبنان يفترض زيادة قدرته الإنتاجيّة. زيادة لا يمكن تحقيقها من دون إنفاق استثماري. وللأسف فإنّ هذا الإنفاق مهمل إلى الحدود القصوى في لبنان بسبب غياب سياسات التخطيط السليم من جهة، ومن جهة أخرى بسبب الحتميّات المفروضة على الماليّة العامّة مثل خدمة الدين والأكلاف البيروقراطيّة المعتادة التي تعكس الترهّل الذي يحكم تسيير أمور الدولة.
والأنكى هو أنّ هذه النقطة لا تجري مراعاتها بالحدّ الأدنى للحفاظ على ماء الوجه في ما يتعلّق بمواكبة حاجات المجتمع. حاجات تتمثّل في نموّ الطلب بجميع أوجهه في ظلّ ثبات القدرة الإنتاجيّة للدولة، ليبدو لوهلة أنّ الاستثمار وتحقيق الجدوى والأرباح يحتكرها القطاع الخاص.
عدم مراعاة ظهرت جليّاً في تقرير الماليّة العامّة لعام 2008 الذي نشرته وزارة المال أخيراً.
فقد أوضحت أرقامه أنّ الإنفاق الاستثماري تراجع بنسبة 8% مقارنةً بالعام السابق فيما النفقات الإجماليّة (من دون التمويل الأجنبي لمجلس الإنماء والإعمار) نمت بنسبة 18.8 في المئة مع تسجيل نموّ نسبته 10.1 في المئة في النفقات الجارية.

نمط سيّئ

شطح: المشاريع التي كانت قد دُرست جدواها أُطلقت بعد فتح مجلس النوّاب
النتيجة المتعلّقة بالاستثمارات العامّة والمعروضة في «تقرير الماليّة العامّة 2008» مفاجئة، وهي أسوأ بكثير مقارنةً بتلك المسجّلة في العام السابق. فبحسب «تقرير الماليّة العامّة 2007» نما الإنفاق الاستثماري عام 2007 بنسبة 1.27% مقارنةً بعام 2006. في الوقت الذي نمت فيه النفقات العامّة بنسبة 5.92 في المئة. وهنا يمكن ملاحظة بداية نمط سلبي جداً في التعاطي مع الإنفاق الرأسمالي في البلاد. ففيما تنمو النفقات العامّة باطّراد لا ينخفض نموّ النفقات الرأسماليّة فقط بل يتحوّل إلى سلبيّ!
وهذا الواقع يعطي فكرة واضحة عن ضعف التفكير الاستراتيجي وطغيان مبدأ الإنفاق الآني، لدرجة أنّ بند الإنفاق الاستثماري كان الأكثر جذباً للنظرة النقديّة في تقرير الماليّة. وفي التفاصيل فقد نتج تقلّص الإنفاق الاستثماري أساساً من انخفاض المبالغ المخصّصة لشراء الأراضي والأبنية وبناء الطرقات والمرافئ والمطارات وشبكات المياه بنسبة 60.3% ليصبح الإجمالي 7 مليارات ليرة فقط، فيما تراجعت قيمة الأموال المخصّصة للتجهيزات بنسبة 21.1% لتبلغ 33 مليار ليرة.
الإنفاق الجاري على الإنشاءات شهد تراجعاً أيضاً، وبلغت النسبة 12%. فقد تراجعت اعتمادات الصندوق الوطني للمهجّرين ومجلس الإنماء والإعمار ووزارة الأشغال العامّة والنقل بنسبة 35.8% 1.7% و14.3% على التوالي. فيما بقي المبلغ المخصّص لمجلس الجنوب ثابتاً عند 40 مليار ليرة.
بند الصيانة هو الوحيد الذي شهد نمواً في حسابات عام 2007 إلى جانب بند «النفقات الأخرى المتعلّقة بالأصول الرأسماليّة الثابتة، وبلغت نسبة النموّ للبابين 50.4% و2.1% على التوالي، علماً أن قيمة الإنفاق على الصيانة هي دون الحاجات الفعلية».
ومقارنةً بأوجه الإنفاق الأخرى لا يُرصد تراجع سوى في 5 بنود هي: التحويلات إلى المؤسّسات العامّة من أجل تغطية الرواتب (6.5%-) وفوائد الديون بالعملات الأجنبيّة (3.2%-) والتحويلات إلى الصندوق الوطني للضمان الاجتماعي (54.5%-) والضمانات في نفقات الخزينة (2%-) والنفقات غير المصنّفة (16.8%-).

انتبه... فروقات!

يوافق وزير المال محمد شطح على «أنّ الإنفاق الاستثماري ليس فقط لا يرتفع، أو يبقى ثابتاً، بل إنّه ينخفض»، إلا أنه يوضح أن هذا النوع من الإنفاق الوارد في الموازنة العامّة لا يعكس كل مبالغ هذا الإنفاق، «فما تراه (في تقرير الماليّة العامّة) هو الرقم الذي يصدر عن الخزينة والموازنة العامّة، أمّا ما ينتج من القروض الميسّرة فهو لا يظهر في الأرقام المطروحة».
ويوضح وزير المال المسألة بالإشارة إلى أنّ «طريقة المحاسبة العامّة في لبنان تعتمد أسلوب الفصل وإذا جرى احتساب أرقام القروض يمكن أن يكون هناك ارتفاع». فالمشاريع التي كانت قد دُرست جدواها سابقاً «وكانت تنتظر قوانين جرى إطلاقها بعد فتح مجلس النوّاب».
فكيف يمكن رصد نتائج تلك المشاريع وفعاليّة القروض الميسّرة أو الهبات التي خُصّصت لتمويلها؟ «بالدرجة الأولى عبر النشرات الدوريّة لمجلس الإنماء والأعمار» الذي يتولّى إدارة تلك المشاريع الاستثماريّة وفقاً لشطح، «فهو في المبدأ يُصدر نشرة دوريّة تتضمّن نتائج إنفاق جميع القروض التي يحصل عليها».
المعلومات التي يقدّمها مجلس الإنماء والإعمار حتّى الآن تبقى محصورة بنتائج الهبات والقروض التي ظهرت عام 2007، وليس ممكناً عملياً تحديد قيمة المساهمة التي وفّرتها تلك القروض في الإنفاق الاستثماري المسجّل عام 2008.
ولكن حتّى لو كانت مشاريع مجلس الإنماء والإعمار قد سجّلت نموّاً من حيث القيمة الاستثماريّة، فإنّ ذلك لا يبرّر الانزلاق الخطير الذي يظهر على صعيد الإنفاق الاستثماري في أرقام الموازنة والخزينة. انزلاق لا يمكن أن يستمرّ في المستقبل، وتحديداً في عهد الحكومة المنتظرة على الأقلّ بهدف توفير الحاجات الأساسيّة للبنانيّين في القطاعات الأساسيّة في حياتهم اليوميّة كالكهرباء الموفّرة فقط 6 ساعات يومياً في بعض المناطق، والمياه التي تزداد ندرتها، والطرقات التي تتحوّل تدريجياً مجموعة حفر... والشتاء لمّا يأتِ بعد.


21 في المئة

هي نسبة نموّ العائدات العامّة عام 2008. البالغة 10553 مليار ليرة. نموّ حفّزه ارتفاع عائدات الضرائب بنسبة 28.7% إلى 7182 مليار ليرة فيما ارتفعت العائدات غير الضريبيّة بنسبة 4.1% إلى 2613 مليار ليرة وعائدات الخزينة 15.6%


علامات سيّئة