strong>700 ليرة الربح الوسطي في كل ربطة خبزالدولة في خدمة الكارتيلات. هذا ما يظهره ملف دعم سعر ربطة الخبز العربي، فهي تدخلت بحجّة أن أرباح الأفران تآكلت بفعل ارتفاع أسعار القمح عالمياً، فبدأ توزيع الطحين المدعوم على المحسوبيات والأزلام... واليوم تراجعت الأسعار إلى مستويات ما قبل آب 2007، لكن الدولة تعمدت البقاء بعيداً ليستفيد الكارتيل من دعمها مرّة ثانية

محمد وهبة
تدخّل الدولة لمصلحة «كارتيل ما»، لا يكون فقط بتوفير الدعم المباشر له، بل يكون أحياناً عبر عدم التدخل بالمطلق وفقاً لنموذج «نيوليبرالي» سافر، وهذا هو «النموذج الأسوأ»، وهو ما يحصل اليوم في مسألة سعر ربطة الخبز ووزنها الذي تراجع تدريجاً من 1500 غرام إلى 1120 غراماً. عندما ارتفعت أسعار القمح والطحين في الأسواق العالمية، تدخلت الحكومة في آب 2007 واستخدمت أموال المكلفين اللبنانيين لدعم سعر ربطة الخبز ولإبقاء وزنها. لكن تبيّن لاحقاً أن أكثر من 60 مليون دولار ذهبت لدعم أرباح «كارتيل» المطاحن والأفران وتغذية الفساد السياسي ـــــ الطائفي. وحين تراجعت الأسعار واتّسع هامش أرباح «الكارتيل» تهرّبت الدولة من مسؤولية خفض سعر الربطة أو زيادة وزنها، ما عزّز هذه الأرباح التي لا تقل عن 50 مليون دولار سنوياً، بحسب مصادر معنية في صناعة الرغيف.
كان «الكارتيل» يبتزّ الحكومة كلما ارتفع سعر طن القمح، مهدداً بعدم التقيد بالسعر أو الوزن الرسميين (1500 ليرة للربطة وزن 1120 غراماً) حتى بلغت قيمة الدعم 150 دولاراً عن كل طن. والحكومة سرعان ما تخضع وتقرّ الدعم من دون أي قيود أو دراسات وبطريقة عشوائية! فيستمر الابتزاز حتى عندما تنتهي الظروف التي أدّت إلى الدعم ويتراجع سعر الطحين إلى مستويات دنيا، تسكت الحكومة ولا تتدخل من أجل زيادة وزن الربطة أو خفض السعر.
55.2 مليون دولار أرباح الأفران من صناعة رغيف الخبز العربي
ففي آب 2007، بدأت الدولة بدعم شراء القمح للمطاحن والأفران لإبقاء سعر الرغيف ووزنه، وقد بلغ معدل كلفة طن القمح في هذه السنة 421 ألف ليرة، وارتفع في 2008 إلى 578 ألفاً، ثم انتهى الدعم في تشرين الثاني 2008 بعدما بدأت الاسعار تتراجع إلى أن بلغ معدل سعر الطن اليوم 323 ألفاً، وهذا يستدعي أن تبحث الدولة في خفض سعر الربطة. لكن يشير مسؤول في وزارة الاقتصاد إلى أن الدولة الضعيفة وغير القادرة وغير العادلة، وحدها مرهونة لكارتيلات الأفران والمطاحن فتعزّز أرباحهم مهما كانت كلفة الربطة.
وحتى اليوم، لم يجرؤ المعنيون على الدخول في «متاهة» كلفة ربطة الخبز في لبنان وسعرها العادل، «لألف سبب وسبب» بحسب ما تلحظ مصادر مطّلعة، مشيرة إلى أن أعداد المستفيدين والمحسوبين سياسياً كثيرة. الدليل على هذا الأمر، هو ما حصل أخيراً حين حاولت الوزارة أن «تحاور» الأفران لخفض سعر ربطة الخبز، فجاء الردّ بأن هذا الأمر غير ممكن بسبب زيادة الحد الأدنى للأجور، وقد هدّدت الأفران بعدم التقيد والتمرد على قرارات كهذه. إلا أن القلق في وزارة الاقتصاد مختلف، فهو مرتبط فعلياً باستحقاقات سياسية، لذلك اكتفت بإحالة المخالفات الإدارية والمالية الناتجة من ملف الدعم، إلى التفتيش المركزي، الذي بلغت كلفته على الخزينة أكثر من 60 مليون دولار، بعدما «تبخّر» نصف الطحين المدعوم عن اللوائح التي قدمتها الأفران إلى الصندوق الوطني للضمان الاجتماعي للتصريح عن الكميات التي تسلّمتها، وبالتالي تخلّت الوزارة عن أي مراجعة للكلفة لتجنّب ضغوط «الكارتيل». ووفق معلومات استقتها «الأخبار» من بعض أصحاب الأفران الكبرى، فإن سعر الطحين يمثّل النسبة الأكبر من كلفة إنتاج ربطة الخبز، وعناصر الكلفة الباقية هي خليط من المازوت والخميرة والسكر والملح والعمال والكهرباء، وقال أصحاب الأفران لـ«الأخبار» إنه يمكن احتساب كلفة إنتاج نحو 90 ربطة خبز من 100 كلغ طحين (عجنة) وفق الأسعار السائدة (بالمفرّق) لأفضل النوعيات المستخدمة، كالآتي:
ــ 3 كلغ من السكر، أي ما يوازي 2713 ليرة وفقاً للسعر الحالي لطن السكر البالغ 600 دولار.
ــ 6 عمال بأجر لا يقل عن 25 ألف ليرة (يتوزع الأجر على إنتاج الطن)، لتصبح كلفة العمالة 12500 ليرة.
ــ 100 كلغ طحين يبلغ ثمنها 44 ألف ليرة وفقاً للأسعار الحالية، إذ يبلغ سعر الطن 440 ألف ليرة وسطياً.
ــ تحتاج العجنة إلى نحو 90 كيساً من النايلون، سعرها أقل من 3 دولارات أو 4500 ليرة، على أساس سعر الطن 1800 دولار ويكفي لنحو 50 ألف ربطة.
ــ تبلغ كلفة ربطة الحديد المغلفة بالبلاستيك، سعر الصندوق منها 18 دولاراً، أقل من 10 ليرات، أي 900 ليرة للعجنة الواحدة.
ــ 3 قوالب خميرة، أي ما يوازي 1350 غراماً ثمنها 4 دولارات أو 6000 ليرة.
ــ 650 غراماً من الملح، ثمنها 195 ليرة على أساس أن سعر طن الملح يبلغ 200 دولار.
ــ يستهلك الفرن نحو ليترين من المازوت (بعد تحميته) خلال فترة خبز 100 كيلوغرام طحين التي تصل إلى 20 دقيقة، وبالتالي يستهلك وسطياً نحو 3 ليترات مازوت للعجنة أو ما يوازي 2250 ليرة بالأسعار الحالية. ومجموع هذه الأكلاف يبلغ 73058 ليرة ستقسّم على 100 كيلوغرام طحين تنتج بين 85 ربطة خبز و95 ربطة، أي 90 ربطة وسطياً، ما يعني أن كلفة ربطة الخبز وزن 1120 غراماً تبلغ 811.7 ليرة وسطياً، بما يوازي 54.1 في المئة من السعر الرسمي للربطة الواحدة المحدد بقيمة 1500 ليرة. إن هامش الربح لدى الأفران كبير جداً ويوازي 45.9 في المئة من كل ربطة، فالفرن يبيع مباشرة للناس بما قيمته 1500 ليرة، أو عبر الموزعين الذين يتسلّمون الربطة بقيمة 1100 ليرة ويسلّمونها للمحل التجاري بقيمة 1250 ليرة لتباع بالسعر الرسمي 1500 ليرة. وإذا كان إنتاج الخبز العربي يستهلك شهرياً 17 ألف طن من الطحين، بحسب ما تصرّح به الأفران للصندوق الوطني للضمان الاجتماعي، أي بمعدل 204 آلاف طن سنوياً يصنع منها 183.6 مليون ربطة خبز سنوياً، فإن مجمل ما يدفعه المواطنون سنوياً ثمناً لاستهلاك الخبز يبلغ 275.4 مليار ليرة، منها 83.178 مليار ليرة (55.2 مليون دولار) أرباح وكلفة إنتاج تبلغ 100.42 مليار ليرة أو 66.61 مليون دولار.
إذاً، هذه المعادلة تشير إلى أن الأفران استثمار رابح في لبنان وأن الخبّاز يحصل فعلياً على نصف الخبزة أو العجنة، لكن بعض أصحاب الأفران «غير المتحفّظين» يؤكدون أن نسبة الربح من الطحين المستخدم في غير إنتاج الخبز العربي مرتفعة جداً وتصل إلى 70 في المئة من كلفة الإنتاج، ما يعني أن مجمل أرباح الأفران يبلغ أكثر من ضعف أرباحها من صناعة الرغيف وحده.


408 آلاف دولار

هو معدل الربح الوسطي للفرن الواحد من صناعة الخبز العربي في لبنان، إذ إن عدد الأفران التي يعرف بأنها تعمل في هذا المجال يبلغ 135 فرناً، وتبلغ قيمة أرباحها الإجمالية من صناعة الرغيف 55.2 مليون دولار، لكنها تقتسم السوق بحصص مختلفة.



مستوردات القمح