فرع «المغرب الإسلامي» يصعّد هجماته... ومساعٍ لتشكيل تحالف إقليمي لمحاصرتهجمانة فرحات
عاد شبح مسلسل العنف الطويل ليحوم فوق الجزائر، بعد إعلان تنظيم «القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي» مسؤوليته عن الهجوم الذي أدّى في 29 تموز الماضي إلى مقتل عشرات الجنود الجزائريين، ليكون حلقة من حلقات التصعيد التي تشهدها البلاد خلال الأشهر الأخيرة. هذا التوجه العنفي في مسيرة الحركات الإسلامية الجزائرية تعود جذوره إلى فترة الثمانينيات، التي شهدت مجموعة من الأحداث ساهمت في بلورة هذا النمط. فقد ساهمت الحرب الأفغانية ومشاركة عدد كبير من الجزائريين فيها بنشأة جيل من الجزائريين متأثر بالمذهب السلفي. وتزامنت عودتهم إلى الجزائر مع تبني الرئيس الجزائري، الشاذلي بن جديد، الخيار الديموقراطي في عام 1989، لتجري بعدها انتخابات في عام 1991. وفي الفترة الفاصلة بين هذه السنوات تأسست «الجبهة الإسلامية للإنقاذ»، مستفيدة من التطورات السياسية المستجدة، إلا أن نتائج الانتخابات التي أظهرت فوزاً كبيراً للجبهة، وما تلاها من خطوات سياسية أقدم عليها بن جديد، عبر حل البرلمان ودخول الجيش في اللعبة وإطلاقه حملة واسعة لملاحقة الإسلاميين، دفعت هؤلاء إلى الرد بطريقتهم الخاصة عبر تشكيل عدد من التنظيمات المسلحة التي تأطّرت في تنظيمين أساسيين، هما: الجيش الإسلامي للإنقاذ والجماعة الإسلامية المسلحة، التي ضمت في صفوفها الأفغان العرب العائدين من أفغانستان.

مخاوف من تصاعد العمليات خلال شهر رمضان
وتميزت الجماعة الإسلامية المسلحة بقيادتها من قبل مجموعة من الأشخاص اتخذوا من القتل العشوائي منهجاً لهم، وهو ما أدى بعد سنوات إلى بروز خلافات بين أعضائها، أسفرت في نهاية المطاف عن انشقاق عبد القادر الحطاب وأخيه حسان، الذي تولى تأسيس وقيادة «الجماعة السلفية للدعوة والقتال» في عام 1998، متخذاً من الهجمات على قوات الجيش والشرطة مرتكزاً في محاولة فاشلة منه لتجنب المدنيين.
وبعد استقالة الحطاب من قيادة الجماعة في عام 2004 على خلفية الخلافات التي وقعت بين الأعضاء أثناء التشاور حول مشروع الوئام والمصالحة الذي تقدم به الرئيس الجزائري الحالي عبد العزيز بوتفليقة، تعاقب على قيادتها عدد من الأشخاص، أولهم نبيل صحراوي لمدة سنة، قبل أن تؤول القيادة بعد مقتله إلى عبد الملك دروكدال الملقب بـ«مصعب عبد الودود» الذي كان وراء إعلان انضمام الجماعة إلى تنظيم «القاعدة» في أيلول 2006 وتغيير اسمها ليصبح «القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي» ابتداءً من 24 كانون الثاني 2007. هذه النقلة في مسيرة الجماعة، التي يتركز وجودها في المناطق الشرقية في البلاد، شكّلت منعطفاً خطيراً مرتبطاً بأمن منطقة المغرب العربي، وأدّت إلى تصاعد في الهجمات التي تستهدف مراكز الدولة. ولعل الأبرز في هذه الهجمات تطورها تطوراً نوعياً لتتخطى مجرد نصب الكمائن إلى تنفيذ عدد من الهجمات المؤثرة بقيادة انتحاريين لعدد من مراكز الدولة، كما حصل في محاولة استهداف موكب الرئيس الجزائري، عبد العزيز بوتفليقة، أو استهداف مقر وزارة الداخلية. أما عن البنية التنظيمية للجماعة، فقد كشفتها صحيفة «الخبر» الجزائرية قبل أيام. ووفقاً للمعلومات، فإن نشاط التنظيم داخل المدن موزّع على 4 جماعات هي: 1 - جماعة «النصرة» التي تتكون من المجندين الذين يحتاجهم التنظيم في توفير الأموال واستثمارها لمصلحته في توفير المؤن والأدوية، فضلاً عن دورها في توفير الاتصالات والبيوت الآمنة أثناء تنقلات الأعضاء. 2- جماعة «الدعوة والإرشاد» التي تتولى مسؤولية تجنيد الانتحاريين، ويقتصر عملها حالياً عبر

يتركّز وجود التنظيم في المناطق الشرقية من البلاد

المنتديات والدعوة بصفة فردية في المساجد نتيجة تضييق الخناق عليها من قبل الأجهزة الأمنية. 3- فرع «الاستطلاع» التابع للجنة العسكرية، الذي يعمل على جمع المعلومات من داخل محيط المدن، ويقع على عاتقه الإعداد للعمليات. 4- فرع «الاتصالات»، الذي يتولى تسهيل نقل الرسائل المكتوبة وإجراء المكالمات الهاتفية ونقل التسجيلات المصوّرة وإرسالها عبر شبكة الإنترنت.
ويرفض التنظيم المصالحة التي عرضها بوتفليقة على المسلحين في مقابل إلقائهم السلاح، متخذاً من عدم إيقاف السلطات للملاحقات بحق الذين استجابوا للنداء واستسلموا ذريعةً. ويعتقد المحللون أن تضمين قانون المصالحة فقرة تشير إلى حرمان «ممارسة النشاط السياسي لكل من شارك في أعمال إرهابية» يؤدي دوراً أساسياً في رفض المصالحة من قبل التنظيم وعدد آخر من الإسلاميين.
أمام هذا الواقع، ومع إعلان قيادة الجيش الجزائري نشر قوات خاصة في عدة مناطق تشهد تحركات مكثفة للجماعات المسلحة، في خطوة تهدف إلى القيام بـ«ضربات استباقية» منعاً لاستغلال المسلحين لشهر رمضان لتكثيف عملياتهم كما جرت العادة، تنذر الأحداث في الجزائر باحتمال تصاعد وتيرة الهجمات المتبادلة بين الطرفين خلال الفترة المقبلة، لن تكون الدول المحيطة بمنأى عنها، وتحديداً موريتانيا، التي أعلنت أن الانتحاري الذي نفذ الهجوم ضد السفارة الفرنسية في نواكشوط قبل أيام قد تدرب في المثلث الصحراوي الواقع بين الجزائر موريتانيا ومالي. وهو ما يفسر أيضاً استضافة الجزائر على مدى اليومين الماضيين اجتماعاً إقليمياً ضم رؤساء أركان جيوش الجزائر ومالي والنيجر وموريتانيا خصص بصورة أساسية لبحث سبل توثيق التعاون للتصدي المشترك «للجريمة المنظمة على الشريط الحدودي وبصفة خاصة الإرهاب».