ارتفاع الطلب في لبنان تداركاً لـ«فورة» الصين والغربتزداد التساؤلات عن الأسعار المرتقبة لخام الحديد، وهي المادّة الأوليّة لصناعة الحديد الصناعي، وخصوصاً بعد التوتّرات التجاريّة الأخيرة التي عكّرت صفو مرحلة هدوء الأسعار بعد عاصفة ضربت السوق في خضمّ مرحلة ارتفاع الأسعار إلى مستويات قياسيّة في الصيف الماضي. هذه التساؤلات والتوقّعات التي تنتج منها تؤثّر على السوق اللبنانيّة التي يحتكر 68% منها خمسة تجّار، طرف واحد بينهم يسيطر على 29.4% من السوق. واقع يؤدّي إلى ارتفاع الأسعار والتهريب.
المدير التنفيذي لأكبر شركة تعدين عالمياً، «BHP Billiton» ماريوس كلوبرز، يرى في حديث لصحيفة «Financial Times» أنّ الأسعار في المرحلة المقبلة ستكون مستقرّة نسبياً، لكن من المحتمل أن ترتفع. فرغم أنّ الصين التي تعدّ المستهلك الأكبر لخامات الحديد عالمياً ستكون، في المدى القصير، «قد انتهت من عمليّة إعادة هيكلة مخزونها، ستبدأ البلدان الصناعيّة عمليّة إعادة هيكلة موازية» نظراً للانتعاش الذي بدأت تظهر براعمه فيها بعد ثلاثة فصول من التقلّص شهدته اقتصاداتها.
وفي ردّ على سؤال عن وجهة الطلب الصيني على خام الحديد، وهو صخر تمثّل المواد المستخرجة منه 98% من الفولاذ الصناعي، يقول كلوبرز إنّ هناك «طلباً مباشراً وطلباً تحت الطاولة»، والطلب المباشر هو الذي تمثّله الحاجة الآنيّة بهدف البناء والصناعة. أمّا الطلب المبطّن فهدفه تكديس المخزون المذكور لأسباب استراتيجيّة، وفي بعض الأحيان خوفاً من ارتفاعات أكثر حدّة في المستقبل.
ويمثّل ارتفاع سعر المطاط بنسبة تفوق 90% أداة لمقاربة آليّة تحدّد الأسعار عموماً، وفي هذا الصدد يشير كلوبرز إلى وجود «مجموعة أسباب يمكن أن أفكّر فيها، ففي بداية العام الجاري كان الطلب ضعيفاً جداً، ولم يكن هناك من توقّعات (واضحة) عن متى سيستقرّ الاقتصاد العالمي أو يتعافى»، أمّا الآن فمن المؤكّد أنّ «الأداء في الصين والهند جيّد، وفي أوروبا والولايات المتّحدة يبدو أنّ الأمور آخذة بالاستقرار».
وبسبب الجولات الصعبة التي شهدها العام الحالي في إطار المفاوضات لتحديد سعر خام الحديد، وهي بقيت إلى حدّ بعيد غير محلولة، وتبقى في قلب التضارب الأخير الذي أدّى إلى اعتقال أربعة موظّفين لدى شركة «Rio Tinto» في الصين، تزداد أهميّة إرساء أسس لتحديد الأسعار.
لكن حتّى لو استقرّت الأسعار عند مستويات منطقيّة لتعكس طبيعة الطلب الحقيقي (فوق الطاولة وتحت الطاولة)، غير أنّها في لبنان لا تُظهر مواكبة منطقيّة. ففي نهاية العام الماضي تراجع سعر طنّ الحديد عالمياً بنسبة 63% مقارنة بمستواها القياسي المسجّل في آب من الصيف الماضي، غير أنّ التراجع في لبنان لم تتجاوز نسبته 45%. فبعدما كان السعر قد وصل إلى 1700 دولار تراجع إلى 870 دولاراً. أمّا الآن فإنّ سعر الطنّ في لبنان مستقرّ عند حدود 400 دولار. ووفقاً لما تفيد به أوساط في صناعة البناء، يرتفع الطلب في ظلّ توقّعات بإمكان حدوث ارتفاع في الأسعار قريباً.
وإذا استُند إلى توقّعات كلوبرز وانتعش الطلب في البلدان الصناعيّة، يمكن أن تشهد السوق العالميّة ارتفاعاً في الأسعار إذا بقيت السوق الصينيّة منتعشة، وهذا سيؤدّي، بحسب التجربة، إلى ارتفاع بنسبة أكبر في لبنان.
وفي إجابته عن سؤال عمّا إذا كان النظام الحالي للتسعير يحتضر، قال كلوبرز: «أعتقد أنّ نظام المعايير يؤدّي دوراً جيّداً. وأقول إنّه مع الوقت تنحو الأسعار لكي تكون أكثر استقراراً».
(الأخبار)