بعد الانسحاب النهائي في عام 1982، عاد الإسرائيليون للتسلل إلى سيناء بغية امتلاكها قانونيّاً، متخفّين بجنسيات أوروبية، وبمساعدة بعض المصريين
القاهرة ــ الأخبار
المؤامرة ليست جديدة، ولا الطريقة. الجديد فعلاً هو مشاركة ضابط شرطة سابق في مؤامرة «سرقة» أراضي سيناء بالتعاون مع الإسرائيليين، وعبر مخطط تحايل على القوانين المصرية. هذه هي صدمة الوعي التي أعادت النظر في مفاهيم السنوات الثلاثين الأخيرة من «السلام» والتعايش وإلى المسافة بين «القيم الوطنية» والبزنس.
كيف يمكن أن يشارك ضابط مصري كان مسؤولاً عن الأمن في السرقة السرية؟ هل هو عقل البزنس الذي انتقل إليه؟ أم أنه استسهال فكرة «الأرض» التي بُذلت من أجلها الدماء والأرواح والآن لا معنى كبيراً لها أمام حالة اللاحرب والجيرة التي تعيشها مصر مع إسرائيل، والدخول اليومي لمئات الإسرائيليين إلى سيناء بصفة سياحيّة؟
إنه الطابور الخامس الذي ينحت في مفاهيم الوطن والأرض والسيادة. يجعلها كلها مفاهيم عبثية. ويحشرها في العاطفية والشعارات، كأنها من زمن فات. قد لا يكون الطابور الخامس توصيفاً دقيقاً لمحاولات بيع أراضي سيناء للإسرائيليين، لكنه وصف لطريقة اختراق القوانين التي تمنع امتلاك أراضي شبه الجزيرة، التي وقعت تحت الاحتلال الإسرائيلي بعد هزيمة حزيران ١٩67 وحررت أجزاء منها بحرب تشرين الأول ١٩٧٣ واستغرقت إعادة المساحات الباقية ماراثون مفاوضات طويلاً انتهى في عام ١٩٨٢ بتفكيك كامل المستوطنات الإسرائيلية التي انتشرت على الأراضي المصرية.
الطابور الخامس تمثّل هذه المرة عبر شبكة يقودها ماهر عبد الله غبريال، لواء شرطة سابق بمديرية أمن جنوب سيناء، وتضم 9 أشخاص آخرين بينهم هارب في لندن، تخصصت في بيع ألفي قطعة أرض وفيلات في سيناء لمستثمرين أوروبيين يحملون الجنسية الإسرائيلية. هذا ما اكتشفته تحقيقات تمت على مستوى عالٍ من السرية وأدارتها ٤ جهات سيادية، بينها جهازا الاستخبارات المصري العامة وأمن الدولة.
أول خيوط القضية اكتشفته إدارة التفتيش القضائي في وزارة العدل سنة ٢٠٠٨ أثناء التحقيق في شكاوى ملاك أجانب لوحدات في قرية «كورال باي» في منطقة مرسى الدخيلة في شرم الشيخ.
التحقيقات كشفت عن أن اللواء السابق ماهر عبد الله غبريال زار إسرائيل لمدة ٥ أيام في ٢٠٠٥ لتجري بعدها بقية تفاصيل الخطة عبر فتح مكتب في إيطاليا لشراء وحدات في القرية. الخطة هنا هي اختراق القانون الذي يمنع الإسرائيليين من تملك أراضٍ في سيناء، وذلك عبر الشراء بالجنسيات الأوروبية وإخفاء الجنسية الإسرائيلية.
المخطط رسمته بالتأكيد شخصيات غامضة في إسرائيل تريد وضع يد إسرائيلية في أرض يشعرون بالحنين إليها. قاد المخطط لواء عمل بعد التقاعد في المحاماة، وكان مهندساً في عملية أثارت المخاوف من جديد حول المؤامرات الإسرائيلية.
هذه ليست المرة الأولى التي يحاول فيها الطابور الخامس اختراق قانون منع البيع للإسرائيليين. المحاولة الأكبر كانت في عهد تولي الدكتور ممدوح البلتاجي وزارة السياحة، حين استطاع توقيف مؤامرة كانت تعتمد على تأشيرة من رئيس الحكومة وقتها الدكتور عاطف عبيد، لبيع أراضٍ لمستثمرين قطريين وإيطاليين، اكتشفت التحريات الأمنية اللازمة لبيع عقارات أو أراضٍ للأجانب أنهم واجهة لشركة إسرائيلية.
الصفقة عرفت باسم «أراضي سيناء»، وكانت تشمل شراء ٤٠ ألف متر مربع في شرم الشيخ، بغرض بناء سلسلة فنادق وقرى سياحية. وتعجل الدكتور عبيد في الموافقة على الصفقة اعتماداً على أن باب الاستثمار مفتوح للجميع. وسعى إلى دفع وزارة السياحة إلى قبول الصفقة، وكتب لوزير السياحة الأسبق ممدوح البلتاجي يسأله: «لماذا لا نستفيد من تدفقات رأس المال الأجنبي في تعمير سيناء؟» وهو الخطاب الذي أشار عليه البلتاجي بالرفض والحفظ، الأمر الذي أثار حفيظة رئيس الوزراء وأشعل الخلافات بينهما، وتدخل الرئيس مبارك بقرار جمهوري بمنع بيع أراضي الدولة للأجانب.
وكانت أجهزة أمنية سيادية قد حذرت من خطورة البيع وثبتت أبعاد القضية، وأشارت إلى وجود رجال أعمال إسرائيليين يديرون مخططاً إسرائيلياً يسعى إلى امتلاك أراضي سيناء.
يشار إلى أن السلطات المصرية تمنع امتلاك الإسرائيليين أي عقارات في سيناء منذ تحريرها سنة 1982 من الاحتلال الإسرائيلي، الذي استمر 15 عاماً، كذلك تضع قيوداً مشددة على بقية الجنسيات الأجنبية خوفاً من تسلل إسرائيليين مستفيدين من حملهم جنسيات أخرى لشراء أراضٍ في شبه الجزيرة الملاصقة للحدود الشرقية لمصر.