عناصر جديدة تعيد خلط الأوراق وتوجيه الأصابع نحو «الجبهة الشعبيّة ـ القيادة العامة»حبيب إلياس
قبل 21 عاماً من اليوم، انفجرت طائرة «بان أم أميركان» فوق لوكربي في اسكتلندا، ما أدى إلى مقتل ركابها الـ 259، إضافةً إلى 11 شخصاً كانوا على الأرض. القضية طبعت علاقات ليبيا الخارجية على مدى العقدين الماضيين، بسبب الاشتباه بشخصين ليبيين، فكانت العقوبات وكان الحصار.
بعد انفجار الطائرة، وجد المحقّقون شظايا قليلة من قنبلة قادت إلى أجهزة الاستخبارات السرية الليبية، صدر أمر بالقبض على مسؤول الأمن في الخطوط الجويّة الليبية في مالطا، عبد الباسط المقرحي، ومدير مكتب الخطوط الجوية الليبية في مالطا، الأمين خليفة فحيمة، لاتهامهما بالضلوع في القضية.
ودخلت ليبيا في صراع مع المجتمع الدولي، وفي مقدّمته بريطانيا والولايات المتحدة، كانت نتيجته إصدار قرار من مجلس الأمن في 31 آذار 1992 يحمل الرقم 748 يوجب على ليبيا الاستجابة لطلب الدولتين بتسليم المقرحي وفحيمة. إلا أن ليبيا رفضت، فكان توقيع العقوبات في 15 نيسان 1992. وتبعه في 11 تشرين الثاني من العام نفسه القرار رقم 883، الذي طوّر العقوبات المفروضة لتشمل حظر الطيران من ليبيا وإليها، ومنع تصدير الأسلحة، وتقليص العلاقات التجارية والدبلوماسية معها.
عنصرا الإدانة تمثّلا في حقيبة الملابس التي وُضعت فيها القنبلة وفي مؤقت القنبلة
في المقابل، بدأت ليبيا تحركاً دولياً واسعاً يستهدف إقناع العالم بالقبول بمحاكمة المشتبه فيهما في بلد ثالث. وفي 24 آب 1998، قبلت واشنطن ولندن بمحاكمة الليبيّين في هولندا بحسب القوانين الاسكتلندية، فوافقت ليبيا. وفي 31 كانون الثاني 2001 دانت المحكمة المقرحي، وبرّأت فحيمة لعدم كفاية الأدلة.
وعلى خلفية هذا الحكم، دخلت الولايات المتحدة وبريطانيا في مفاوضات مع ليبيا، أدّت إلى الوصول إلى تسوية تدفع بموجبها طرابلس تعويضات إلى أسر الضحايا بلغت 2.7 مليار دولار، وأعلنت مسؤوليتها عن أعمال موظفيها.
غير أن مسار القضية عاد للتبدل مع ظهور عناصر جديدة من شأنها أن توصل إلى براءة المقرحي، فالعنصران الأساسيّان لإدانته تمثّلا في حقيبة الملابس التي وُضعت فيها القنبلة، وفي نوعية ساعة التوقيت التي استُعملت. فالقنبلة، التي استُخدمت في التفجير، كانت موضوعة في حقيبة ملابس داخلية، تبيّن أنه جرى شراؤها من محل تجاري في مالطا. وبعد التدقيق وعمل رسم تقريبي للمشتري، افترض المحققون أنه المقرحي، الذي أصر على نفي التهمة. وفي إطار البحث عن كيفية إيصال المقرحي، الذي يتّهمه الغرب بأنه ضابط في الاستخبارات الليبية، للقنبلة من طرابلس إلى مالطا، ومن ثم إلى بريطانيا، افترض المحققون أن الأمين خليل فحيمة، هو الذي ساعده، كما أنه ساعده على إمرار الحقيبة من مطار لوقا في مالطا إلى مطار (هيثرو) في لندن.
أما الدليل الرئيسي، الذي أدى إلى إدانة ليبيا، فهو مؤقت القنبلة الذي جرى التأكيد في المحاكمة أنه بيع إلى طرابلس، بحسب شهادة مصنّع المؤقت المهندس السويسري أولريش لومبرت.
لكن المعطيات الجديدة بدأت بالظهور عام 2007، إذ حصل المقرحي من لجنة مراجعة القضايا الجنائية الاسكتلندية على استئناف على أرضية وقوعه ضحية إساءة تطبيق أحكام العدالة. واكتشفت اللجنة لاحقاً وثيقة يُعتقد بأنها تحتوي على معلومات عن جهاز توقيت القنبلة. لكن الحكومة البريطانية رفضت تسليم الوثيقة، ووثيقة أخرى، لفريق الدفاع لأسباب تتعلق بالأمن القومي للمملكة المتحدة.
وكشفت صحيفة «سكوتلند أون صندي» وقتئذٍ عن أن «الوثيقة تؤكد بطريقة لا ريب فيها أن جهاز توقيت القنبلة زوّدت به دول لم تكن ليبيا بينها». وأكد مصدر قانوني للصحيفة «أن طريقة إخفاء القنبلة داخل آلة تسجيل لم تكن مرتبطة بالنشاطات الإرهابية الليبية، بل بالجبهة الشعبية لتحرير فلسطين ـــــ القيادة العامة، التي كانت أول المشتبه بهم بالوقوف وراء التفجير».
ونقلت الصحيفة عن مالك شركة «ميبو» السويسرية، المصنّعة لجهاز التوقيت، إدوين بويلر، قوله إن «شركته زوّدت هذه الأجهزة لجهات، بينها جهاز الأمن السري الألماني الشرقي السابق (ستاسي)». وأشارت إلى أن الأخير كان قد دهم في تشرين الأول 1988، قبل شهرين من وقوع تفجير لوكربي، خلية لـ «الجبهة الشعبية ـــــ القيادة العامة» في مدينة نيوس، وعثر على أربعة من هذه الأجهزة بحوزتها. وأبلغ صانع القنبلة، الأردني مروان خريسات، مسؤولي «ستاسي» أن جهازاً خامساً نُقل من الشقة عن طريق زعيم الخلية حافظ دلقموني». ولفتت الصحيفة إلى «أن جهاز التوقيت الخامس لم يُعثر عليه، ويعتقد الكثير، وبينهم خريسات، بأنه استُخدم في تفجير طائرة لوكربي».
وهذا ما أكده أيضاً لومبرت، الذي نقلت الصحيفة عنه قوله للشرطة السويسرية «لقد كذبت في شهادتي بشأن اعتداء لوكربي. وان القطعة التي تحدثت عنها لم تكن من أجهزة التوقيت التي تسلّمها الليبيّون».