تلويح بطرد من تخرق القرار... واستبعاد المدرّسين الذكور من مدارس البناتغزة ــ قيس صفدي
عمّمت المدارس الحكومية، التي تديرها حكومة «حماس» في غزة، على الطالبات ضرورة ارتداء الجلباب وغطاء الرأس (الزي الإسلامي الشرعي)، ما أثار ردود فعل متباينة في أوساط الطالبات، وصلت إلى حد التفكير في التوجّه إلى الدراسة في المدارس الخاصة.
قرار حكومة «حماس» جاء شفاهة على ألسنة مديرات المدارس والمعلمات خلال اليوم الأول من العام الدراسي الجديد، الذي انطلق أمس في غزة، قبل نحو أسبوع على بدايته في الضفة الغربية.
وقفت مديرة مدرسة ثانوية في غزة خلال طابور الصباح، وأمسكت بمكبّر الصوت، معلنةً أنها ستطرد أي طالبة لا ترتدي الجلباب الأزرق الداكن (الكحلي) وغطاء الرأس ابتداءً من اليوم الاثنين.
وقالت هيا، وهي طالبة في الصف الثاني الثانوي، إن مديرة المدرسة خاطبت الطالبات بلغة صارمة بأنها لن تسمح لأي طالبة بدخول المدرسة إذا لم ترتدِ الزيّ الجديد (الجلباب وغطاء الرأس)، محذّرة أي طالبة من الحضور بالزي القديم (تنّورة من الجينز وقميص).

يمكن أن نتقبّل كل شيء إلا الجلباب، فهو يمحو آثار الطفولة، ويظهرنا كبيرات في السن
وقالت مسؤولة في إحدى مدارس غرب غزة، لـ «فرانس برس»، «إن الزيّ الشرعي إجباري على كل الطالبات ويجب الالتزام به، وهذا ما أكدناه صباح اليوم (أمس) على جميع الطالبات، ولن يُسمح اعتباراً من غد لأي طالبة بدخول المدرسة من دون الزي الجديد».
وأكدت المسؤولة نفسها، طالبةً عدم ذكر اسمها، أن «هناك قراراً شفوياً من مديرية التربية والتعليم في غزة بفرض الزيّ الشرعي على جميع الطالبات في المرحلة الثانوية من دون استثناء».
وقالت الطالبة هيا، التي لا تضغ غطاءً للرأس، إنها وعدداً من صديقاتها يفكّرن بجدية في الانتقال للدراسة في مدرسة خاصة، معتبرةً أنه «لا يحق لأحد أن يفرض رؤيته على أي إنسان».
ويندرج فرض الزي الشرعي على الطالبات، وسعي وزارة التربية والتعليم إلى «تأنيث المدارس»، في إطار سلسلة من الإجراءات التي تباشرها حكومة «حماس» بطريقة متلاحقة بهدف أسلمة مؤسسات المجتمع في غزة، رغم النفي المتكرر من جانب الحركة الإسلامية وحكومتها المقالة السعي إلى ذلك.
القرار الشفهي يتناقض مع تصريحات صدرت قبل يومين لوزير التربية والتعليم في حكومة «حماس»، محمد عسقول، نفى خلالها فرض ارتداء الحجاب على الطالبات على اعتبار «أن المجتمع الفلسطيني ملتزم بطبعه، ولا يحتاج إلى قرارات تفرض عليه»، واصفاً الإثارة الكبيرة لهذا الموضوع «بالزوبعة داخل فنجان».
لكن كلام الوزير يتناقض مع الملصقات التي وضعت على مدخل مدرسة ثانوية خاصة بالإناث في غرب غزة. أحد الملصقات الموقّع من إدارة المدرسة مفاده «إعلان هامّ للطالبات بخصوص الزي المدرسي للعام الجديد 2009-2010، شروط الزي المدرسي جلباب كحلي فقط، الإيشارب (غطاء الرأس) أبيض أو شيلة بيضاء... وحذاء أسود أو أبيض. نرجو من جميع الطالبات الالتزام بالشروط المعلنة».
ودعا مدير التربية والتعليم لغرب غزة في حكومة «حماس»، محمود أبو حصيرة، الطالبات «إلى ارتداء الزي الشرعي». وقال: «إننا نطالب جميع الطالبات بالتزام الزي الفضفاض»، موضحاً أن هناك قراراً من مديرية التعليم في غزة «بتأنيث المدارس» أي منع الرجال من مدرّسين أو إداريين من العمل في مدارس البنات في جميع المراحل.

حكومة حماس غير قادرة على تطبيق الشريعة الإسلامية في غزة بفرض الزي الإسلامي

وأضاف أبو حصيرة «مجتمعنا مسلم، والإسلام يفرض علينا التفريق بين الأخ وأخته بعد سن السابعة، فما بالك في المدرسة. نحن عملنا على هذا الأساس، وعلى توفير بديل للمعلمين بمعلمات».
وعبّرت سها (14 عاماً)، الطالبة في مدرسة أحمد شوقي الثانوية في حي الرمال في غزة، عن رفضها لفرض الزي الشرعي، مشيرةً إلى أن «حكومة حماس غير قادرة على تطبيق الشريعة الإسلامية في غزة بفرض الزي الإسلامي، لأن الأمر الإجباري لن يتماشى مع عقول الفتيات، وخصوصاً في هذه المرحلة، وحماس لن تستطيع فرض أي شيء بالقوة».
وعبّرت الطالبة نور علوان (15 عاماً)، التي لا تضع غطاءً على رأسها، عن غضبها وقد علت وجهها علامات الحزن، قائلة «يمكن أن نتقبّل كل شيء إلا الجلباب، فهو يمحو آثار الطفولة، ويظهرنا كبيرات في السن».
ورغم أنها محجّبة وترتدي ملابس طويلة واسعة، رأت الطالبة سعاد أبو راضي (16 عاماً)، وهي في الصف الحادي عشر في القسم الأدبي، «أن هذا القرار ليس لمصلحتنا، فهو يعدّ تعديّاً على حريتنا الشخصية، وسيؤثر في نفسيّتنا. إذ لا يجوز تطبيقه»، ملمّحة إلى أنها قد تفكر «في ترك المدرسة».
لكنّ سمر (17 عاماً)، وهي طالبة مسيحيّة في الصف الثاني عشر تبدو منصاعة للقرار، قائلة إنها «لا تمانع في لبس الجلباب، ووضع غطاء الرأس لأن ذلك ضمن قرارات الدولة، وعلينا احترامها ما دمنا نسكن داخل حدودها».
غير أن سمر ذاتها ترى أنّ قرار «تأنيث المدارس» «ظالم لكل الطالبات، ولم يأت لمصلحتنا، إذ لا يوجد نص ديني يمنع المدرّسين الذكور من العمل في مدارس البنات»، معتبرة أيضاً أن القرار «غير عادل، لأن المدرسين أكثر كفاءة من المدرسات في بلدنا، وأتمنى أن تتراجع الوزارة عن هذا القرار».
وقال المدرس أبو أحمد (55 عاماً) إن «قرار تأنيث المدارس هو قرار مجحف بالنسبة إلينا». وأضاف «ليس للقرار أي إيجابيات على الإطلاق، فهو تعسّفي بالدرجة الأولى، وكله سيعود بالسلبيات على الطلبة».

48 ساعة