صنعاء تسعى من خلال معارك الشمال إلى إيصال رسالة إلى حركات الجنوبجمانة فرحات
في غمار الحرب السادسة التي اندلعت قبل حوالى أسبوعين بين الجيش اليمني وأتباع عبد الملك الحوثي، حاصدة مئات القتلى والجرحى بفعل الاشتباكات العنيفة، تبلورت عروض لوقف الحرب من قبل طرفي النزاع لكنها لا تبدو أنها قادرة على التحول إلى اتفاق حتى الآن.
وفي ظل ضراوة المعارك، التي تخللها لجوء الجيش اليمني إلى استخدام سلاح الجو لضرب معاقل الحوثيين، طرحت السلطة، ممثلة باللجنة الأمنية اليمنية، مبادرة من ستة شروط كما تقدمت مجموعة من آل الحوثي بمبادرة عجزت عن إقناع الطرفين بوقف الحرب، في ظل تمسّك عبد الملك الحوثي باتفاق الدوحة الموقّع عام 2007.
وتضمنت شروط اللجنة الأمنية، التي عاد وكررها الرئيس اليمني علي عبد الله صالح، الانسحاب من جميع المديريات ورفع كل النقاط التي تعوق حركة المواطنين، والنزول من الجبال وإنهاء أعمال التخريب، وتسليم المعدات العسكرية والمدنية التي تمّ الاستيلاء عليها، فضلاً عن الكشف عن مصير الأجانب الستة الذين خطفوا في الشمال قبل مدة، وتسليم المختطفين من أبناء محافظة صعدة، وصولاً إلى المطالبة بعدم التدخل في شؤون السلطة المحلية.
غير أن عبد الملك الحوثي رفض هذه الشروط، وطالب السلطة بالتوقف عن عرقلة تنفيذ اتفاق الدوحة الذي «فيه جميع البنود التي تحل قضية صعدة»، معتبراً أن «السلطة لا تسعى في الواقع إلى إيجاد حل جذري للقضية، وما تثيره من بنود تزعم مطالبتنا بها هو تضليل للرأي العام». لكنه أكد في الوقت نفسه تمسّكه «بخيار السلام»، وأن الحل الوحيد هو النظر إلى معاناة الناس وأخذها في الاعتبار والسعي نحو حل نهائي للقضية.
إلا أن البعض، على عكس الحوثي، رأى في شروط السلطة أنها تأتي من موقف متقدّم ميدانياً، بعدما استطاعت الضربات العسكرية الجوية، المستندة إلى معلومات استخبارية دقيقة، توجيه ضربات قاسية إلى مخازن الأسلحة التابعة للحوثيين، فيما رأى البعض الآخر أنها علامة ضعف، وخصوصاً أن اللجنة أعربت عن استعدادها لإطلاق جميع المعتقلين على ذمة أحداث صعدة، وإعادة بناء ما خلّفته الحرب. أما مبادرة أقارب الحوثي فتضمّنت رفع النقاط العسكرية وانسحاب الجيش إلى معسكرات ما قبل المواجهات، في مقابل انسحاب الحوثيين من المواقع التي يسيطرون عليها، وتعيين مديري مديريات وأمن وتربية وتعليم في هذه المناطق من الحوثيين، وإبقاء منطقتي مطرة والنقعة تحت سيطرتهم، فضلاً عن إطلاق المعتقلين وعدم منع تدريس المذهب الزيدي.
ووفقاً لمستشار وزير العدل وأحد المتقدمين بالمبادرة، عبد الله يحيى الحوثي، فإن المبادرة عرضت على الطرفين، وأن السلطة أبدت تحفّظها فقط على النقطة التي تنص على إبقاء منطقتي مطرة والنقعة تحت سيطرة الحوثيين لمدة ثلاث سنوات قبل تسليمها إلى الدولة.
وقد رأى البعض في مبادرة أقارب الحوثي أنها بُلورت بسبب استشعار الحوثيين قرب الحسم، وهو ما نفاه يحيى الحوثي، الذي نقلت عنه صحيفة «الوسط» اليمنية قوله «إن الحسم العسكري بعيد جداً، باعتباره غير ممكن في حرب العصابات».

السلطة تتحفّظ على نقطة من مبادرة أقارب الحوثيين لوقف النار
أما عبد الملك الحوثي، فلم يظهر تجاوباً مع هذه المبادرة، إذ أعاد مكتبه تأكيد مرجعية اتفاق الدوحة لحل قضية صعدة، داعياً في الوقت نفسه صالح إلى إيقاف الحرب احتراماً لشهر رمضان.
وفي ظل عجز الحكومة عن سحق الحوثيين نهائياً، فإنها تضغط بقوة من أجل إلحاق أكبر قدر ممكن من الخسائر بهم واستعادة المناطق التي يسيطرون عليها، وتحديداً المناطق الحدودية بين اليمن والسعودية. وبالتالي، فإنه على الرغم من تعنّت كلا الطرفين في رفض مبادرات الطرف الآخر، وتبادل الاتهامات بتلقّي الدعم من أطراف خارجية، وتحديداً السعودية التي تتهم طائراتها بالمشاركة في قصف الحوثيين وإيران التي تتهم بدعم المتمردين بالعتاد، فإن السلطة والحوثيين على استعداد لقبول وقف إطلاق نار ولو جزئياً، وخصوصاً أن الشروط المتبادلة تحمل في طيّاتها عدداً كبيراً من النقاط المشتركة، لكن كلّ منهما ينتظر تحقيق مكسب عسكري، بحيث لا يفسّر قبوله بالهدنة بأنه انكسار أو هزيمة، وذلك في انتظار حل جذري للصراع قد يطول انتظاره سنوات وسنوات. كذلك فإن الحكومة اليمنية تكون قد استطاعت عبر ضراوة حربها السادسة مع الحوثيين، التي أدّت أمس، وفقاً لمصادر أمنية، إلى مقتل «القياديين المتمردين محسن هادي القعود وصالح جرمان»، إيصال رسالة إلى الجنوب مفادها أن الحكومة لن تتوانى بعد اليوم عن قمع أي حركات تمرد، بعدما أوحى عجزها عن حسم المعركة مع الحوثيين طيلة السنوات الماضية أنها ضعيفة، وسمح للجنوبيين بالمطالبة جهاراً بالانفصال. وبالتالي، فإن السلطة اليمنية أثبتت جدّيتها للجميع بالتخلص من الجبهة الشمالية لتتفرغ تماماً للجبهات الأخرى المشتعلة في البلاد، وفي مقدّمها القضية الجنوبية ومعضلة «القاعدة».