الارتفاع الأكبر في «الجمارك» و«الأمن الداخلي» فيما الموازنة مكبّلةحسن شقراني
ارتفعت قيمة الاعتمادات المرصودة في الموازنة لمصلحة المؤسّسات العسكريّة والأمنيّة المختلفة بوتيرة لافتة، بعد حرب تمّوز ـــــ آب عام 2006، والمعارك التي شهدها مخيّم نهر البارد في العام اللاحق، إضافة طبعاً إلى الأحداث الأمنيّة التي شهدتها البلاد منذ عام 2005.
وبحسب تقرير وزارة المال عن مشروع موازنة هذا العام، فقد بلغت نسبة ارتفاع هذا النوع من النفقات 22.1% بالمقارنة مع مشروع موزانة العام الماضي، ليبلغ الإنفاق الأمني والعسكري في البلاد 2202 مليار ليرة ممثّلاً 13.5% من النفقات الإجماليّة، بالمقارنة مع 15.7% في العام الماضي.
وفي التفصيل، وفقاً لمشروع الموازنة، فإنّ الإنفاق العسكري المرصود للجيش اللبناني ارتفعت قيمته من 1136 مليار ليرة إلى 1358 مليار ليرة، أي بنسبة 19.5%، وهذه الزيادة ناتجة من ارتفاع قيمة المواد والإمدادات (وتحديداً الأكل والأدوية والوقود) بقيمة 25 مليار ليرة والرواتب والنفقات الاجتماعيّة بقيمة 142 مليار ليرة والنفقات الجارية بقيمة 46 مليار ليرة.
أمّا الإنفاق الاستثماري فقد نتج من زيادة في اعتمادات المعدّات التقنيّة بواقع 6 مليارات ليرة، إضافة إلى شراء الأراضي وبناء الطرقات بقيمة مليار ليرة.
ويسجّل ثاني أكبر نسبة ارتفاع في قوى الأمن الداخلي، تبلغ 27.18%. فهذا الإنفاق يرتفع في مشروع موازنة 2009 إلى 641 مليار ليرة وهو ناتج أساساً من ارتفاع في بند الرواتب والأجور بواقع 115 ليرة، حيث تمّ احتساب 39 مليار ليرة لتغطية عمليّة ضمّ 3 آلاف عنصر جديد، فيما خصّص المبلغ الباقي لتغطية الزيادة الناتجة من زيادة الرواتب بواقع 200 ألف ليرة.
أمّا أكبر نسبة نموّ للإنفاق الأمني والعسكري فتُسجّل في مديريّة الجمارك، ويبلغ الإنفاق في هذا البند في مشروع الموازنة، الذي لا يزال ينتظر إقراره في مجلس النوّاب، 51 مليار ليرة ارتفاعاً بنسبة 30.7% مقارنة بمشروع موازنة العام الماضي.
وفي مديرية الأمن العام، بلغت نسبة ارتفاع النفقات المرصودة 25.27% حيث تبلغ في مشروع موازنة هذا العام 114 مليار ليرة. وهذا الارتفاع تحدثه زيادة بواقع 22 مليار ليرة في النفقات الجارية وبواقع مليار ليرة في النفقات الاستثماريّة التي تبلغ 4 مليارات ليرة فقط.
وأخيراً، ينسحب ارتفاع النفقات على اعتمادات مديرية أمن الدولة بنسبة 25%، ليصبح المبلغ المرصود 37 مليار ليرة ، وهي عبارة عن نفقات جارية كلياً أي مواد وإمدادات ورواتب وأجور ومساعدات اجتماعيّة.
39 مليار ليرة لتغطية عمليّة ضمّ 3 آلاف عنصر إلى «الأمن الداخلي»
هذه الزيادات المسجّلة في الإنفاق العسكري والأمني وفقاً لموازنة العام الجاري، تعكس «أولويّات» مقلوبة طرأت على البلاد منذ عام 2005. وتحتويها حزمة الإنفاق العام المضغوط سياسياً!
فإذا كان هناك من خلاصة يمكن الخروج بها بعد قراءة تقرير وزارة المال عن مشروع الموازنة، فهي أن الحكومة لم تعد تمتلك أي هامش للمناورة بسبب تركّز الإنفاق على أبواب محدّدة، ففي هذا المشروع تمثّل خدمة الدين والرواتب والأجور والتحويلات إلى مؤسّسة كهرباء لبنان 71.5% من الإنفاق العام، أي إنّ ما يبقى للاستثمار والإنفاق الاجتماعي وباقي أبواب الإنفاق الأخرى لا تصل نسبته إلى 30% من النفقات الإجماليّة.
النفقات عموماً ترتفع في المشروع بنسبة 42.1% لتبلغ 16304 مليارات ليرة، فيما الواردات تنمو 36% لتصبح 11389 مليار ليرة، ويكون العجز بالتالي 4915 مليار ليرة، أي أكبر من ذلك المسجّل في عام 2008 بنسبة قد تكون قياسيّة تبلغ 58%، علماً بأن الفائض الأوّلي تراجع بنسبة 27% إلى 1125 مليار ليرة.
أمّا الخلاصة الأخرى، فهي أن واقع الموازنة غير قابل للاختراق، إلّا في لحظات المساومات السياسيّة، تماماً كلحظة إقرار زيادة الحدّ الأدنى للأجور إلى 500 ألف ليرة في نهاية العام الماضي، أو لحظة «التوافق» على منح «مجلس الجنوب» المبالغ التي كان يطالب بها الرئيس نبيه بري.
هذا الواقع الثابت يجعل من مشروع الموازنة مجرّد كتيّب لا علاقة له بالأولويات كمواجهة المديونيّة العامّة أو بالحاجات كالاستثمار في البنى التحتيّة والكهرباء والدعم الاجتماعي ومعالجة نظام الرعاية الصحيّة وتحفيز الاقتصاد لتأمين الوظائف والأعمال وخفض معدّلات البطالة كمّاً ونوعاً.
اللافت أن الإنفاق الرأسمالي، الذي يضمّ أبواب الإنفاق الاستثماري، نما بنسبة 37%! فهل هذا يعبّر عن تغيير ما في السياسة المالية؟ ليس تماماً، وخصوصاً في ظلّ تركيز الموارد على الإنفاق الجاري و«المسائل الطارئة» مثلما يحدث مع الإنفاق العسكري، أو حتّى مع الهاجس العتيد: معدّل الدين العام إلى الناتج المحلّي الإجمالي، الذي بقي «أولويّة مطلقة لدى إعداد الموازنة» وفقاً لحديث وزير المال محمّد شطح إلى «الأخبار».
فالنموّ الذي سجّله الإنفاق الرأسمالي يحصل في جوانب قد يراها الكثيرون غير ضروريّة. فهناك زيادة بنسبة 35% في باب «الإنفاق على المعدّات»، ويتّضح أنّه ناجم عن اعتماد قيمته 5.8 مليارات ليرة لمجلس النوّاب لشراء الأثاث والمعدّات المكتبيّة، و2.9 مليار ليرة مخصّصة لوزارة المال للتزوّد بمعدّات تكنولوجيا المعلومات، إضافة إلى معدّات وسيّارات لقوى الأمن الداخلي قيمتها 8.6 مليارات ليرة و«معدّات مميّزة» للجيش اللبناني بقيمة 6 مليارات ليرة.
يمكن أن تكون المعدّات «مميّزة»، غير أنّ الموازنة «غير موفّقة» أبداً وتبقى مثلما هي البلاد موازنة لا تترك للدولة أي وظيفة من وظائفها في إعادة التوزيع الاجتماعي.


6040 مليار ليرة

هو المبلغ المرصود لخدمة الدين العام في مشروع الموازنة، ويمثّل ارتفاعاً بنسبة 30% مقارنة بمشروع عام 2008. وترتفع خدمة الدين بالليرة بنسبة 47.2% لتبلغ 3650 مليار ليرة، فيما بلغت نسبة ارتفاع خدمة الدين الأجنبي 10% إلى 2390 مليار ليرة.


صحّة وتربية وبنود أخرى