«رئيس الدولة» لشهر واحد وأبرز دعاة إقليم الجنوببغداد ــ زيد الزبيدي
لم يعرف للراحل السيد عبد العزيز الحكيم دور بارز في الحياة السياسية العراقية قبل الاحتلال، كونه غادر البلاد في وقت مبكر من شبابه، بينما كانت الشهرة الأوسع من نصيب شقيقه الأكبر محمد باقر، الذي عُرف بمعارضته لنظام صدام حسين وللنظام الذي سبقه، إضافة إلى تقدمه في العلوم الدينية.
إلا أن عبد العزيز عُرف كثيراً في إيران، وخصوصاً لدى الأسرى العراقيين وعوائلهم، إبّان الحرب العراقية ـــــ الإيرانية، حيث كان من ضمن الذين يتولون ملفات الأسرى هناك، كما عُرف من خلال حضوره بعض مؤتمرات المعارضة، وخصوصاً تلك التي سبقت الغزو الأميركي، ما أهّله في نظر الكثيرين لتولي رئاسة «المجلس الأعلى للثورة الإسلامية»، بعد مقتل محمد باقر في صيف 2003.
وعبد العزيز الطباطبائي الحكيم، هو أصغر الأبناء الـ 14 (عشرة ذكور وأربع إناث) للمرجع الشيعي محسن الحكيم، وهو الوحيد من الأبناء العشرة الذي لم يمت قتلاً. متزوج من ابنة رجل الدين الشيعي محمد هادي الصدر، وله أربعة أولاد، أشهرهم عمار الحكيم، الذي يرى كثر أنه «يشبه والده في كل شيء».
ورغم انفراده في ميتته عن أشقائه، إلا أن «نظرية المؤامرة» هيمنت على بداية اكتشاف مرضه، عندما أجرى فحوصاً طبية في الأردن أظهرت إصابته بـ«مرض خطير»، ما دفع العديد من المواقع الشيعية إلى الإعلان عن مؤامرة دبّرتها الحكومة الأردنية لقتله بالسم البطيء، فسافر إلى الولايات المتحدة التي شخّص أطباؤها إصابته بسرطان الرئة، فعاد إلى العراق، ثم آثر أن يواصل علاجه في إيران ويتوفّى هناك.
ومعروف أن عائلة الحكيم، إيرانية الأصل، قدم أحد أجدادها (وهو السيّد علي بن السيّد مراد الطباطبائي) إلى العراق كطبيب «عشّاب»، ولما اشتهر، أُطلق عليه لقب الحكيم، ومنه اكتسبت العائلة لقبها. وُلِد في عام 1950 في مدينة النجف، ولم يستطع الجلوس على مقاعد الدراسة الرسمية، فلم يحصّل أي شهادة تُذكَر، إلا شهادات المرجعية، بخلاف والده الذي حصل على الشهادة الابتدائية، ومن ثم انصرف إلى الدراسات الدينية.
خرج الراحل من العراق قبل أن يبلغ العشرين من العمر متوجهاً إلى قم، وبقي بين ذهاب وإياب حتى عام 1980، حين استقر في إيران 23 عاماً، قبل أن يعود بعد احتلال العراق بأيام، متقدماً ميليشيات «فيلق بدر» التي شاركت في القتال إلى جانب الجيش الإيراني خلال الحرب العراقية الإيرانية.
وصل عبد العزيز إلى بغداد في 17 نيسان 2003، بعد سقوط بغداد بثمانية أيام فقط، فعيّنه الحاكم المدني الأميركي، بول بريمر، عضواً في مجلس الحكم المؤقت في 12 تموز من ذلك العام. وفي الأول من شهر كانون الأول 2003، أصبح عبد العزيز الحكيم رئيساً للمجلس، «رئيس دولة»، لمدة شهر واحد، بموجب نظام تتابع الرئاسة الذي أُقرّ آنذاك.
وفي الثالث من أيلول 2003، عُيِّن، إلى جانب كونه عضواً في مجلس الحكم، رئيساً لـ«المجلس الأعلى للثورة الإسلامية في العراق»، خلفاً لشقيقه الأكبر، محمد باقر الحكيم، الذي قضى نحبه في تفجير سيارة مفخخة أثناء خروجه من ضريح الإمام علي بن أبي طالب في النجف.
وقد تمّ اختيار عبد العزيز الحكيم لعضوية مجلس الحكم لسببين أساسيين؛ أولهما رفض شقيقه محمد باقر الظهور كواجهة للاحتلال أو التعامل مع الأميركيين، وانصرافه للعمل التنظيمي، وثانيهما الدور العسكري للسيد عبد العزيز خلال الحرب العراقية ـــــ الإيرانية والغزو الأميركي للعراق.
يُذكر أن محمد باقر الحكيم كان ينيب شقيقه عنه في العديد من الملفات الحسّاسة؛ ومنذ ظهور البوادر الأولى للعمل العسكري الأميركي ضد العراق، كلّفه بمسؤولية إدارة الملف السياسي لـ«المجلس الأعلى». وبهذه الصفة، ترأس عبد العزيز وفد المجلس إلى واشنطن، حيث زار البيت الأبيض، وتولى إدارة العملية السياسية للمجلس في اللجنة التحضيرية لمؤتمر لندن ٢٠٠٢، ثم مؤتمر صلاح الدين، ثم في العملية السياسية بعد سقوط نظام صدام حسين. وهو بذلك تولى المهام التي رفض شقيقه محمد باقر القيام بها، وخاصة أنه كان يدعو إلى إسقاط نظام صدام باعتباره موالياً لواشنطن.
وأبرز ما يُذكَر للرجل سياسياً، تبنّيه مشروع إقامة دولة أو «فدرالية» شيعية في جنوب العراق ووسطه، على غرار إقليم كردستان الشمالي، ولهذا الغرض دخل في تحالف مع القيادات الكردية، بالإضافة إلى طرحه فكرة تقديم مبلغ مئة مليار دولار كتعويضات لإيران عن حرب السنوات الثماني.
وإذا كان هذا الدور قد أهّل عبد العزيز لعضوية ورئاسة مجلس الحكم و«المجلس الأعلى للثورة الإسلامية»، الذي أصبح اسمه في ما بعد «المجلس الأعلى الإسلامي»، فإن رحيله سيترك فراغاً يصعب التكهن في من سيشغله، حيث كان عمار، نجل عبد العزيز، يطمح إلى هذا المنصب منذ اغتيال عمه محمد باقر، ودخل في خصومة مع والده حوله، وفق ما يفيد العارفون في الشأن العراقي.
أما اليوم، ومع وجود «ائتلاف عراقي وطني موحَّد» يُفترَض أن يقوده «المجلس الأعلى»، فلا بد أن يكون القائد أكبر سناً وأكثر تجربة، وهذا ما دفع عبد العزيز إلى تكليف همام حمودي بتشكيل الائتلاف الجديد، إضافة إلى وجود قياديين في المجلس لهم ثقلهم السياسي مثل عادل عبد المهدي. إلا أن هناك نقطة جوهرية تقف حائلاً أمام هؤلاء، وهي أن اسم المجلس الأعلى ارتبط بآل الحكيم، ما يضع احتمال تشتّته في حال غياب الرمز، وضعفه بوجود من بقي من هذا الرمز، وهو عمار الحكيم، الذي يرى كثيرون أنه غير مؤهّل للقيادة.


بغداد تنعاه وعمّار مستعد للخلافةورأى الحزب الإسلامي العراقي في وفاة الحكيم «خسارة كبيرة للعراق»، فيما أعرب عمّار الحكيم (الصورة) عن استعداده لتولي قيادة «المجلس الإسلامي الأعلى» خلفاً لوالده، كاشفاً عن أن مسألة الخلافة سيحسمها المجلس، مشيراً إلى أنه لا نية لديه لترشيح نفسه، لكن «إذا طلب منّي قيادة المجلس فسأوافق».
(أ ف ب)