لعيسى العوام قصّة تروي تاريخ عكّا. محاولات طمس الهوية العربية في المدينة تسعى إلى محو آثار القصة، لكن عكّا تأبى إلا أن تخبرها لكلّ طفل فيها
عكّا ــ فراس خطيب
ظهيرة الخامس من رمضان. ميناء الصيادين في عكا على حاله منذ سنوات: عددٌ من شبّان المدينة يقفزون من على صخرة عالية إلى أعماق البحر. بضعة صيادين من دون شباكهم، يجلسون على مقربة من مراكبهم، موجودون هناك حتماً بلا سبب، فالميناء جزء منهم، وصارت زياراته إدماناً.
على الطرف الشرقي من الميناء، وضعت بلدية عكّا نصباً تذكارياً لشخص إسرائيلي يدعى «زئيف فريد». وأطلقت اسمه على الميناء العربي. خطوة تفصّل التاريخ حسب الحاجة: «هذا الميناء عربي، وهم أرادوا فرض زئيف علينا كما يريدون فرض الأسماء العبرية على مدننا. ونحن لم نقبل في الماضي ولن نقبل اليوم»، قال أحد الصيادين الجالس قرب قارب كان يملكه في الماضي.
قبل فترة وجيزة، قرّرت جمعية الصيادين بناء نصب تذكاري لـ«عيسى العوام»، وهو مناضل عكيّ قديم، حارب إلى جانب صلاح الدين ضد الصليبيين. وكُتب على النصب: «عكا حبيبة العوّام ومعشوقته التي دفع حياته مهراً لها». وجاء أيضاً على النصب: «في ظل الحصار الصليبي البحري والبري في تشرين الأول عام 1189، كانت المدينة في أمس الحاجة إلى التواصل مع جيوش صلاح الدين الأيوبي الذي بدوره أقام طوقاً برياً على الجيش المحاصر، وكان هذا التواصل من خلال عيسى العوام». وكُتبت على النصب أيضاً أسماء لعدد من عائلات الصيادين العريقة في المدينة «كي لا ننسى صيادينا الصامدين كالأسوار أمام موج الغزاة».
علّق أهالي عكا النصب التذكاري على مدخل الميناء، إلى جانب المسجد. كان مشهده جميلاً، وعاد بالمكان إلى فترة يجهلها الكثيرون في تاريخ المدينة التي عرفت أمجاداً. ولأن الحفاظ على عروبة المكان صار تحدّياً شرساً للدولة العبرية، سعت البلدية بشتى الوسائل إلى هدم النصب التذكاري. واتخذ رئيس البلدية شمعون لنكري قراراً عدّ فيه الصيادين «مخلّين بالقانون». وفي النهاية، تم التوصل إلى اتفاق لهدم قاعدة النصب على اعتبار أنَّ بناءها «ليس قانونياً». ويقول النائب عباس زكور لـ«الأخبار» «لقد أراد رئيس البلدية إرضاء المتطرفين، فليكن، أزلنا قاعدة النصب وسنعلّقه على جدار المسجد».
عكا، تلك المدينة التي تراكم الكثير من المعاني من عام إلى آخر، سجلّها يشتعل بالأحداث، من الصليبيين حتى نابليون، وصولاً إلى كونها مدينة فلسطينية ساحلية يعاني سكّانها العرب من التمييز السياسي، وباتوا في مواجهة مخططات تنخر في واقعهم، فالقضية «ليست نصباً تذكارياً، إنه صراع على هوية المكان»، قال شاب عكّي.
الميناء يحاول استعادة أمجاد الماضي. والنصب التذكاري مكسور، يتكئ على حائط المسجد، فهو نصب ما بعد معركة. القصة تبدو محزنة، حين نحكي عن أهل يريدون إحياء ذكرى فيمنعون. لكنَّ حكاية بطولة عيسى العوام قد وصلت بهذه الوسيلة أو بغيرها، و«كل طفل في عكا يعرف القصة».