Strong>باسيل: الشركات المشبوهة ضيّعت على الخزينة ملايين الدولاراتبعد 11 شهراً من الانتظار، حفظ القضاء ملفات 10 شركات ضبطتها وزارة الاتصالات بتهمة «التخابر الدولي غير الشرعي»! أما الأكثر إثارة في هذا السياق، فيتمثّل بإعلان الوزير جبران باسيل أن القضاء المعني لم يطلب من الوزارة المعطيات المتوافرة لديها، والتي تعزز، على الأقل، الشبهة بوجود عمليات استيلاء على المال العام، وهو ما يستحق المزيد من التحقيق!

رشا أبو زكي
«هكذا ومن دون الاستماع إلى إفادة وزارة الاتصالات، قرر القضاء اللبناني حفظ ملفات 10 شركات مشتبه في تعاملها بالتخابر غير الشرعي في لبنان، بذريعة عدم توافر العناصر الجرمية»، هكذا بدأ وزير الاتصالات جبران باسيل مؤتمره الصحافي أمس، لافتاً إلى وجود معطيات لدى الوزارة «موثقة» تفيد بأن هذه الشركات تنشط في هذا المجال وتساهم بتفويت مداخيل هائلة على الخزينة العامّة.
كلام الوزير باسيل عن ملفات التخابر غير الشرعي، جاء في سياق الرد على حرب المعلومات المتناقضة في شأن محطة الإنترنت في الباروك. فالمسألة، بحسب الوزير المختص، تستحق التحقيق وصولاً إلى المساءلة والمحاسبة، ولا يجوز أن يُطمس ملف بهذا الحجم بهدف حماية المافيات ومصالح حماتها في الطبقة السياسية، فملف محطة الباروك يشير إلى شبهة «التعامل مع العدو»، لكنه أيضاً يشير إلى وجود مافيات تسرق المال العام، وهذا يفرض على القضاء التحرّك باتجاهات عدّة قبل حفظ الملف أو تبرئة ساحة المشتبه فيهم في أي تهمة، مهما كانت.
وقدّم باسيل في مؤتمره الصحافي بعض المعطيات التي تثير الشبهات، فاختار الملف الأكثر وضوحاً، والمتصل بأعمال التخابر الدولي غير الشرعي. فقد تحرّكت الوزارة في أيلول من العام الماضي، وقامت بإيقاف 10 خطوط E1 تستخدمها 10 شركات تحت مسمّيات مختلفة، منها فنادق غير معروفة، وذلك بعدما تبيّن لها أن هذه الخطوط تعمل بطاقة كبيرة لا تتناسب مع نوعية أعمال الشركات التي تديرها، وتم تحويل ملفاتها ونتائج التحقيقات التي أجرتها الوزارة إلى القضاء في 15/9/2008، وعادت الوزارة وذكّرت القضاء بهذه المخالفات في 26/2/2009، وفي النهاية «أبلغنا أمس أنه تقرر حفظ القضية لعدم توافر العناصر الجرمية»!
وعرض باسيل رسوماً بيانية تُظهر كيف كانت تعمل هذه الخطوط بكثافة بعد الثانية عشرة ليلاً، بعكس شركات التخابر القانونية، لا بل إن الشركات المشتبه فيها استهلكت في أيلول 2008 أكثر من 7 ملايين و400 ألف دقيقة، ما أدى إلى خسائر بملايين الدولارات منيت بها خزينة الدولة، واللافت أن إيرادات الخزينة من الاتصالات الدولية ارتفعت ارتفاعاً ملموساً بعدما اتخذت الوزارة إجراءاتها بإيقاف هذه الخطوط، إذ زادت نسبة التخابر الشرعي من 3 ملايين و400 ألف دقيقة إلى 3 ملايين و799 ألف دقيقة.
عرقلة مقصودة لتوزيع السعات الدولية بهدف تبرير عمل الشبكات غير الشرعية
وقال باسيل إن «هذه التفاصيل موجودة في الملفات المحالة على القضاء، ولكن لم يحقق بها أحد، إذ كيف يمكن أن يتم التغاضي عن معطيات تؤكّد أن فندقاً يستهلك في يوم واحد وعند الساعة الثالثة فجراً أكثر من 7500 دقيقة، وفندقاً آخر يستهلك في يوم واحد عند الساعة السابعة صباحاً 13 ألف دقيقة!... أليست هذه المعطيات مثيرة للشكوك وتستحق التحقيق الجدّي قبل الإدانة؟»، وأشار باسيل أيضاً إلى أن معدّل المخابرة الواحدة لدى الشركات المشتبه فيها يصل إلى عشر دقائق وأكثر، ولفت باسيل إلى أن الكثير من الرؤوس الكبيرة التي كانت تعمل في التخابر غير الشرعي حماها القضاء بحفظه القضية، مؤكداً أنه لن يسكت عن أي تقاعس يحصل في أي مكان في القضاء أو غيره. وأكد أنه سيطالب «القضاء اللبناني بالتوسع في التحقيق، وطلب رأي وزارة الاتصالات التي تمتلك الكثير من المعطيات التي تفيد التحقيق».
وتطرق الوزير باسيل إلى وضع محال التخابر غير الشرعي «التي يبلغ عددها أكثر من أربعة آلاف محل»، مشيراً إلى أنه رفع إلى مجلس الوزراء تصوراً حول معالجة أوضاعها، «إما بإقفالها جميعها وإما بشرعنتها دون تمييز، ولكن مجلس الوزراء لم يبتّ الموضوع».
وأشار إلى وجود تواطؤ في وزارة الاتصالات وهيئة أوجيرو مع المافيات العاملة في المجالات غير الشرعية، إذ يوجد نحو 140 خط E1 غير موضوعة في التداول «وهي محل نزاع إداري داخل الوزارة»، لافتاً إلى أن هناك عرقلة مقصودة لتوزيع السعات الدولية بهدف تبرير عمل الشبكات غير الشرعية، داعياً القضاء إلى التوسع في التحقيق والدخول إلى وزارة الاتصالات للاطّلاع على أسباب تأخير تزويد السوق بالخطوط الدولية تحت مبررات مختلفة.
انطلاقاً من كل هذه المعطيات، يعبّر الوزير باسيل عن اقتناعه بوجود حماية للمشتبه فيهم في قضية محطّة الباروك، التي أوقفت في 4 نيسان الماضي، إذ إن هناك معطيات موثقة ومثيرة تمّ تجاهلها، تماماً كالكثير من القضايا المثيرة للشبهات التي تحمل بعداً داخلياً يتصل بعمل المافيات والفاسدين المتغلغلين في الإدارة والطبقة السياسية، أو تحمل بعداً أكثر خطورة يتصل بالتعامل مع العدو لأسباب أمنية أو تجارية! وأشار باسيل إلى وجود محضرين في حق الشركة، مالكة هذه المحطّة، نظّمهما مكتب مكافحة الجرائم تحت الرقم 255، فيما وزير العدل إبراهيم نجار حوّل القضية إلى مجرّد قضية صحن لاقط غير مرخص له، زاعماً عدم تلقي القضاء أي إخبار وتقرير فني من وزارة الاتصالات أو أي جهة أخرى، وقال «لا يمكننا أن نقبل من وزير العدل في لبنان أن يعطي الانطباع في تصريحاته كأنه يدافع عن إسرائيل أو المتعاملين معها».
وتحدث الوزير باسيل عن ثلاث وقائع لا يمكن القضاء أو الأجهزة الأمنية ووزير العدل تجاهلها، وهي:
أولاً: وجود صحن لاقط في الباروك موجّه نحو الجنوب، ومداه يصل إلى الأراضي المحتلة، ولا يمكن التذرّع بتوفير خدمة الإنترنت لـ«اليونيفيل» لأنها لا تحتاج إلى 300 ميغا بايت للعمل، ولا سيما أن المحطة مزوّدة بـ 150 خط E1، أي أكثر من الموجود لدى وزارة الاتصالات.
ثانياً: المعدات الموجودة في المحطة تعود جميعها إلى شركة «سيراغون» الإسرائيلية، وهناك «محاولات تسخيف للقضية من خلال الإشارة إلى وجود معدات مشابهة في شركات الهاتف الخلوي».
ثالثاً: إن الشركة المحمية سياسياً تقوم بهذا العمل بهدف تجاري، على الأقل، إذ يصل حجم أعمالها إلى مليون دولار شهرياً.


رد وزير العدل على وزير الاتصالات