انتهت أزمات حي المهجرين باستثناء واحدة. فبعد تنازل منظمة التحرير عن ملكيته لدار الأوقاف وتوافر أموال المانحين، لا يزال موعد الإعمار غامضاً لارتباطه بقرار الجيش بالجلاء عن الحي
راجانا حمية
يمد الرجل يده خلف الشريط الشائك، وبسرعة تكاد تسابق البرق، «يخطف» منديلاً من أرض الحي شمالي الجزء القديم من مخيم البارد الذي استحال تلة ركام رمادية بشعة. يتمسك بالرقعة كمن فاز لتوّه بلقية ثمينة، ويسرع الخطى هارباً من أعين العسكر المرابطين عند زوايا الحي الذي أصبح جزءاً من ما بات اسمه «برايم e»، والمزنر منذ نهاية «الحرب على الإرهاب» بشريط شائك. لم يكن الرجل يسرق من المنطقة التي استحالت عسكرية، إلا أن منديلاً مرمياً على أرض كان اسمها «حينا»، أغراه بنوع من الحنين من دون احتساب عواقب «فعلة» غالباً ما تصنف وخيمة، بعد تعميم الجيش باعتبار دخول أي شخص إلى المنطقة المصنفة عسكرية من دون ترخيص، متسللاً ولو كان، مثل صاحبنا، ابن الحي المذكور. لكن، هذا الهارب ليس متسللاً، فهو بكل بساطة مواطن «مشتاق» لذاك البيت الذي أجبرته الحرب على تركه والعيش في غرفة صغيرة في «مستوعبات» الحديد التي استقدمتها «الأونروا» لاستيعاب النازحين.
وهو على ما يبدو، سيبقى في معسكر المدينة الطارئة مع 115 عائلة أخرى كانوا جيرانه في الحي بانتظار قرار الجيش الإجلاء عن الموقع.
يعقد المجلس النروجي الأسبوع المقبل اجتماعات مع الأهالي للاتفاق معهم على التصاميم
ولئن كانت غالبية أهالي أحياء «البرايم e» لا تجد مفراً من انتظار القيادة ريثما تصدر قرارها، لأن أموال إعمار بعضها لم يتوافر بعد، إلا أن لحي المهجرين قصة أخرى. فالحي الذي تملكه منظمة التحرير الفلسطينية، كان الاتحاد الأوروبي قد تكفل بتمويل إعادة إعماره بقيمة تبلغ 3 ملايين و300 ألف يورو. أي أن إشكالات الملكية محلولة، وكذلك موضوع التمويل. فما الذي يعوق بدء عملية إعادة الإعمار؟ الجواب: وجود الجيش. فما هي هذه المهمة الأمنية التي تؤجل جلاء الجيش عن المكان؟ مديرية التوجيه تقول إنها غير مخولة بالتصريح عن ذلك. وبانتظار التصريح، كيف هي صورة الوضع هناك اليوم؟
الاتحاد الأوروبي، حسب السفارة الفلسطينية، ينتظر الإفراج عن الحي لإعماره، وإلا فإنه سيسحب تمويله. وخصوصاً أن الإجراءات القانونية القاضية بمنح المنظمة أرض الحي (6761 م2) للأوقاف قد تمت، تماشياً مع القانون اللبناني (انظر «الأخبار» العدد 874). «تسلمت» الأوقاف الأرض، ومنحت الاتحاد الأوروبي توكيلاً بها. واستناداً للتوكيل، وقّع الاتحاد اتفاقية مشروع الإعمار مع المجلس النروجي للاجئين «NRC» وجمعية «عمل تنموي بلا حدود ــــ نبع»، المسؤولين عن إعداد التصاميم الهندسية وإعمار 106 وحدات سكنية فيه. ومن المفترض أن يبدأ المجلس مطلع الأسبوع المقبل اجتماعاته الرسمية مع أهالي الحي لإعداد التصاميم، حسب ما يشير أحد موظفي المشروع في المجلس رشيد المنفي. وتأتي هذه الاجتماعات بعد جولة سابقة من الاجتماعات التحكيمية قامت بها «نبع» لجمع المعلومات عن أهالي الحي والمساكن، آخذين بعين الاعتبار النسيج الاجتماعي الذي كان سائداً.
ويفترض بعد ذلك، أن يعرض أحد مهندسي المجلس النروجي فيدار غلتي، التصاميم الهندسية للحي بعد إتمامها، على مصلحة التنظيم المدني. وسيعرض غلتي حوالى 3 تصاميم، لأخذ الموافقة عليها جميعها، بحيث يصبح الخيار لأهالي الحي بانتقاء التصميم الذي يرونه مناسباً.
لكن، مع كل هذا النشاط، لا يبدو أن بداية عملية الإعمار ستكون قريبة، فعدا مشكلة بقاء الجيش في المكان، ثمة سبب آخر قد يؤخر العملية بعض الوقت، وهو أيضاً مرتبط بالعسكر. فبعد الإفراج المرتقب عن «البرايم e» سوف يبقى الحي تحت المراقبة الأمنية لبعض الوقت ريثما يقوم الجيش والأونروا بفصله عن الجزء القديم للمخيم، كما قال رامي فارس عضو لجنة الحي.